حديث التنمية وإنجاز مشاريع البنية التحتية في البلد يملأ الشارع الكويتي منذ سنوات طويلة، ويزيد تركيزها وحدة انتشارها في الموسم الانتخابي، لكن ما يحدث على الأرض شيء آخر، فالمشاهدات تعكس واقعاً سلبياً قميئاً، فمعظم مشاريع البلد متعسرة ومتأخرة، سواء كانت مباني أو طرقاً أو محطات طاقة ومرافق إنتاجية ومناطق سكنية جديدة، ومشاريع النقل والمواصلات مازالت أضغاث أحلام، فسكان الكويت سيعانون مرة أخرى في موسم الإجازات الكبير الحالي من ضيق المطار الدولي وتكدس الناس فيه، وحلم النقل الجماعي في مشروع مترو الكويت سيظل حبيس لجنة المبادرات والمشاريع الكبرى الحكومية وقائده المحصن، وسنمر كالمعتاد على هيكل مستشفى جابر (جنوب السرة) الأسمنتي، والمفترض أن يسلم حسب العقد بعد 6 أشهر؟! وحفر شارع جمال عبدالناصر وطريق الجهراء.

Ad

قبل شهور قليلة، وخلال لقاء مجموعة من الكتّاب الصحافيين مع رئيس الحكومة سمو الشيخ جابر المبارك -وتشرفت أن أكون من ضمنهم- أسهب الزملاء الكتّاب في انتقاد وضع مشاريع الدولة الكبرى، وعدم استثمار الفوائض المتراكمة منذ 13 عاماً في خزائن الدولة في البنى التحتية وتجديدها، وأرجعوا سبب الاستياء والسخط الشعبي إلى وجود فوائض ضخمة يرافقها تدنٍ في مستوى الخدمات وتطوير البنى التحتية، مقارنة بما يحدث حولهم في دول الخليج العربي من إنجازات ضخمة من مدن وطرق وقطارات وغيرها.

في ذلك اللقاء وضع الوزراء الحضور قائمة طويلة من المبررات، منها مشاكل في الجهاز الحكومي المنوط به إنجاز تلك المشاريع، وتخلف قانون المناقصات العامة وبيروقراطية اللجان المكلفة بتسريع المشاريع الكبرى، بما فيها اللجنة الوزارية التي أنشأها مجلس الوزراء لهذا الغرض، إضافة إلى تداخل الاختصاصات وتعارضها بين عدة جهات حكومية، وأضاف بعض الزملاء "تداخل المصالح"!

في نهاية ذلك اللقاء كانت هناك وعود بإجراءات حاسمة مشابهة للوعود التي قدمتها الحكومة لمجلس الأمة المبطل 2، لتسريع المشاريع الخاصة بخطة التنمية، والبالغة العشرات، في ظل إنجاز مشاريع كبرى محدودة جداً لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة منذ سنوات طويلة.

وعندما نتكلم عن مشاريع كبرى هنا نعني طرقاً سريعة ومستشفيات عامة شاملة، وليس تجديد شبكة صرف صحي أو إعادة رصف شوارع ضاحية ما في الدولة، وبعد تلك الوعود انتظرنا أن تقرر الحكومة تكليف أطقم إشراف وإدارة عليا جديدة في وزارة الأشغال العامة، ونفض لجنة المبادرات والمشاريع الكبرى الحكومية بوجوه شبابية متمكنة، وتغيير آليات عملها، ومراجعة قائمة المشاريع الكبرى المتعطلة لديها، ومبادرة الحكومة إلى المطالبة بإعطاء مشروع المناقصات العامة صفة الاستعجال في جدول مجلس الأمة قبل إبطاله، أو حتى رفعه للقيادة السياسية لإصداره بمرسوم ضرورة، لأنه أبو الضرورات في الوضع المزري لحاجات البلد، ورفع حالة الإحباط الشعبي الشديد تجاه الإنجاز في الدولة.

لكن للأسف أن أياً من ذلك لم يحدث، والوضع مازال على حاله، والهياكل الأسمنتية على حالها في البلد تنوح على حال ملياراته التي تتآكل في المصارف أو تنهب أو تقضم في استثمار خطر دون أن تجد طريقها لتدعيم حياة المواطن بمرفق صحي جديد أو وسيلة مواصلات عصرية أو مدن توسع رقعة البلد المتكدس سكانه في نسبة محدودة من أرضه أو يجد متنفساً ترفيهياً في جزره التي أضحى أهمها، وهي جزيرة فيلكا، غفاراً مهجورة بينما يروج لوهم مدينة الحرير، لذلك أجزم بأن أزمة مشاريعنا الكبرى هي في الحقيقة أزمة إدارة بلد بلا أفق حقيقي لحلها.