مجلة سينمائية متخصصة في ظل مناخ ثقافي ثقيل الوطأة؛ حيث دور النشر تُغلق أبوابها، أو تُقلص، على الأقل، صفحات جرائدها اليومية ومجلاتها الأسبوعية، ومن ثم تلغي بجرة قلم صفحات السينما، بحجة أن السينما لهوٌ لا يليق، وترفٌ في غير وقته، فضلاً عن جمهور لا يُلقي بالاً للمطبوعات الورقية ويستقي معلوماته وأفكاره من الشبكة العنكبوتية {الإنترنت»، ولا يعرف سوى الثقافة التي يتم تداولها عبر مواقع التوصل الاجتماعي، لهي خطوة مجنونة ومغامرة طائشة وسباحة ضد التيار السائد!

Ad

من هنا كانت فرحتي غامرة بصدور مجلة {رؤية سينمائية} الإماراتية الشهرية المتخصصة التي تحمست لتمويلها ودعمها في العاصمة أبو ظبي مجموعة «الرؤية السينمائية للإنتاج الفني والتوزيع». جاء في افتتاحية عددها الأول أنها {تعني بالشأن السينمائي} و{تهدف إلى تشكيل رؤية تمهد لخلق ثقافة سينمائية لدى المهتمين} و{احتواء حركة شباب السينمائيين الخليجيين} و{تناول كل ما يتعلق بشؤون وشجون صناعة السينما في دول الخليج} و{تسليط الضوء على الإبداعات النقدية السينمائية الخليجية والثقافة السينمائية}.

غير أنني خشيت، وأنا أقرأ العدد الأول، الذي صدر في توقيت متزامن مع استضافة {أبو ظبي} الدورة السادسة لمهرجانها السينمائي الدولي، أن تعجز {رؤية سينمائية} عن الصمود والاستمرار، وتفشل في مواجهة تيار الجهل والتطرف والتسطيح، وكانت سعادتي كبيرة وأنا أطالع العدد الرابع أثناء قيامي بتغطية مهرجان الخليج السينمائي في نسخته السادسة، وأشهد الطفرة الكبيرة التي تبلورت على أيدي القيمين على إدارة المجلة، وعلى رأسهم الشاب الطموح عامر سليمان المري، رئيس التحرير الذي بدا سعيداً لأن أهداف المشروع الوليد بدأت في التحقق، بعدما كانت مجرد سطور في افتتاحية العدد الأول الذي صدر في نوفمبر من العام الماضي، فالبذرة تحولت مع العدد الرابع إلى ثمرة مُعبقة بطيب أنفاس الخليج، وتفاعلت بسرعة مع الحراك المحلي والنتاج العالمي، وقطعت شوطاً هائلاً في سبيل نشر الثقافة السينمائية الجادة، وتطوير الذائقة السينمائية، وتشجيع المواهب الخليجية الواعدة، ونشر الوعي بأهمية فن السينما، ودوره الحيوي في الارتقاء بالمشاعر الإنسانية، وتأجيج الشعور بالانتماء، وتأصيل الهوية!

أتصور أن فرحتي بمجلة {رؤية سينمائية} ستكتمل باتساع نطاق تأثيرها، ونجاحها في الوصول إلى القارئ العاشق للسينما في كل قطر عربي، وليس في دولة الإمارات العربية المتحدة فحسب، ومن ثم تسد النقص الفادح الناتج من خلو الساحة الثقافية من مجلة سينمائية عربية متخصصة، بعد إغلاق مجلة {غود نيوز سينما} للإعلامي عماد الدين أديب، ومن قبلها مجلة {الفن السابع} التي كان يُصدرها الممثل المصري محمود حميدة، ومجلة {فن} لناشرها اللبناني وليد الحسيني؛ فقد كان المري شديد الصدق مع نفسه، عندما سجل في افتتاحية العدد الأول أن {الدراسة التفصيلية للحراك السينمائي توصلت إلى أن الساحة السينمائية تخلو من منتج إعلامي سينمائي متخصص}، لكنني لا أوفقه القول إن الساحة المحلية وحدها هي التي تفتقر إلى هذه النوعية من المجلات السينمائية المتخصصة؛ فالمغامرة تكتمل بالإصرار على تحويل {رؤية سينمائية} إلى المجلة المتخصصة الأولى في العالم العربي؛ بحيث تغطي كل ما يتصل بالشأن السينمائي العربي، وليس الخليجي فحسب؛ خصوصاً أن عشاق الفن السابع في ظمأ كبير لثقافة مختلفة تُحصنهم من الوقوع في براثن التطرف الديني والإقليمية البغيضة.

لا أنكر أن الحركة السينمائية الخليجية أحوج ما تكون إلى مجلة سينمائية متخصصة تشد من أزرها وتصوب مسارها، وهي في بداية انطلاقها، لكنني على قناعة تامة بأن {المشهد السينمائي العربي} في حاجة ماسة أيضاً إلى منبر داعم للسينما الجديدة، وخصوصاً تيار السينما المستقلة، الذي يقوده جيل من الشباب انصهر في بوتقة السينما العربية، ولم يعد أسير جنسيته المصرية أو اللبنانية أو الخليجية، بل يحركه طموح مشروع في صنع سينما تجوب المهرجانات، مثلما تجد لنفسها مكاناً لدى جمهور عربي يحتفي بها في الصالات المحلية، وتخاطب هوى مستثمر عربي يُدرك أنه بصدد صناعة قوية تُدر عليه مكاسب طائلة في حال توظيفها بالشكل الأمثل.

{رؤية سينمائية} يمكن أن تتحول إلى {حلقة نقاش ورقية} تطرح القضايا السينمائية، وتتبنى المساجلات النقدية، وتحتفي بالأقلام الرصينة، وتشجع المواهب الواعدة من دون تفريق بين خليجي وإفريقي، وكل ما أتمناه أن يحفظها الله من المنافقين، ومن شر الإغلاق، ونلبي الدعوة قريباً للاحتفاء بعددها المئة.