ماذا علّمتني حرب العراق عن سورية؟

نشر في 04-04-2013
آخر تحديث 04-04-2013 | 00:01
كان من الممكن لاستخدام القوة الجوية الأميركية والتعاون مع القوات على الأرض أن يضعا بسرعة نهاية لنظام الأسد منذ 18 شهراً، ما كان سيحول دون مقتل 60 ألف شخص، فضلاً عن بروز تنظيم «القاعدة»، وما زال بإمكانه اليوم إنقاذ المنطقة الأوسع من الدمار.
 واشنطن بوست دفعت الذكرى العاشرة لحرب العراق كثيرين إلى الاستفاضة في تحليل الأخطاء التي ارتُكبت هناك، فضلاً عن بعض الادعاءات المتحيزة عن أن "الأشخاص عينهم" الذين دعموا الحرب في العراق يطالبون اليوم بالتدخل الأميركي في سورية، لكنني أحد هؤلاء الأشخاص؛ لذلك لنُعِد عرض الحجج المثيرة للجدل التي يطرحونها: ألم أتعلّم أي درس من العقد الماضي؟ وهل أريد تكرار "معمعة" العراق؟

لنبدأ بالسؤال الثاني؛ لا شك أن حرب العراق كانت باهظة الثمن وموجعة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد كلفتها الكثير من المال، والرصيد السياسي، خصوصاً الأرواح الأميركية والعراقية على حد سواء. كذلك لم تؤدِ حتى اليوم إلى النتائج التي كنا نرجوها، نحن مؤيدي الحرب، ولكن في ظل غياب التدخل الأميركي، يبدو أن سورية قد تسبب كارثة إنسانية أكبر، وقد تشكل انقلاباً استراتيجياً أشد خطورة بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

ثمة قواسم مشتركة كثيرة بين دولتَي العراق وسورية، فلم تنشأ كلتاهما طبيعياً، بل رسم حدودَهما دبلوماسيون بريطانيون وفرنسيون عام 1916. نتيجة لذلك، يضم هذان البلدان خليطاً مضطرباً من المجموعات الإثنية والطوائف، بما فيها الشيعة، والسنة، والأكراد، والمسيحيون، لكن العراق وسورية ظلا متماسكَين طوال القرن العشرين بسبب سيطرة حكام مستبدين يمثلون طائفة تشكل الأقلية في البلد. فلجأ هؤلاء الحكام إلى القمع، وتعظيم الجيش، والقومية العربية، والإبادة عند الضرورة للحفاظ على الدولة متماسكة. كذلك حاول نظاما صدام حسين والأسد التقرب من الإرهابيين وكدّسا أسلحة الدمار الشمال، لكن الأسد، بخلاف صدام، لم يُضطر إلى التخلي عن ترسانته الكيماوية والبيولوجية.

كان من المحتم أن تتفكك هاتان الدولتان مع انهيار عقائدهما ونموذجَيهما الاقتصاديَّين. فمن الطبيعي أن تطالب الأكثرية الشيعية المضطهدة في العراق، على غرار الغالبية السنيّة في سورية، بتصحيح وضعها وإنصافها، لكن وجه الاختلاف بينهما أن الجيش الأميركي أطلق عملية التحول في العراق، متخلصاً بسرعة من النظام القديم ومخففاً من وطأة الصراع الطائفي الناجم. ولكن في سورية، قررت الولايات المتحدة التراجع والامتناع عن التدخل، مكتفيةً بتقديم المساعدة الإنسانية وحضّ المعارضة على التوحد.

ماذا كانت النتائج؟ لم يُصب أي جندي أميركي أو يُقتل في سورية. وظلت الكلفة بمئات الملايين، لا مئات المليارات، لكن الثمن الإنساني في سورية بات أكبر بكثير راهنًا، فمع مقتل 70 ألفاً في غضون سنتين، يؤدي الصراع السوري إلى وفيات تفوق بمعدل الضعف ما عاناه العراق عقب الغزو الأميركي، علاوة على ذلك، هرب 1.1 مليون سوري إلى الدول المجاورة، ومن المتوقع أن يرتفع عدد اللاجئين بنحو 3 ملايين بحلول نهاية السنة الحالية. نتيجة ذلك، يبدو أن سورية تتجه إلى إنتاج عدد لاجئين يفوق ما تسببت به الحرب في العراق بعد عام 2003 بنحو 50%.

في العراق، واجهت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة وأنزلت به هزيمة قوية، أما في سورية، فتزداد "جبهة النصرة" التابعة لـ"القاعدة" قوة باطراد وتسعى إلى إعادة إحياء هذا التنظيم عبر الحدود في العراق، لكن مقاربة إدارة أوباما، التي تقف مكتوفة اليدَين، لا تقدّم أي وسيلة للحد من هذا الخطر ومنع تنظيم "القاعدة" من أن يسيطر في النهاية على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.

أدت حرب العراق إلى محاولة إيران، وسورية، ودول مجاورة أخرى التدخل بشكّل محدود في شؤون العراق، إلا أن المنطقة المحيطة ظلّت محمية بفضل الوجود الأميركي. لكن المجزرة السورية الهوجاء بدأت تمتد إلى لبنان والعراق، كذلك يهدد الصراع السوري حلفاء الولايات المتحدة إسرائيل، وتركيا، والأردن. بالإضافة إلى ذلك، تُدخِل إيران وبعض دول الخليج العربي وبلدان مجاورة أخرى كميات كبيرة من السلاح وأحياناً الوحدات المقاتلة إلى سورية.

لا شك أن العراق تسبب بتراجع العلاقات مؤقتاً بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، ولم تتقبل الدول السنيّة العربية كاملاً الحكومة التي يقودها الشيعة والتي أسفرت عنها العملية الديمقراطية، لكن نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ظل قوياً، إلا أنه بدأ يتراجع راهناً، فلم يشكّل إخفاق القيادة الأميركية صدمة لبريطانيا وفرنسا فحسب، بل كل جيران سورية أيضاً. وإذا واصلت الولايات المتحدة تمسكها بموقفها هذا، فستشكّل سورية، لا العراق، نقطة تحول لا تعود معها الولايات المتحدة تُعتبر ما دعاه بيل كلينتون "أمةً لا غنى عنها".

هل يعني ذلك أن على الولايات المتحدة أن تُرسل مئات آلاف الجنود إلى سورية؟ كلا بالتأكيد. لا يقوم منطق "مأساة ما بعد حرب العراق"، الذي تبناه الرئيس أوباما، على استبعاد عمليات الغزو الشبيهة بأسلوب جورج بوش الابن فحسب، بل أيضاً التدخلات الأقل شمولية التي اعتمدتها إدارة كلينتون للحدّ من الكوارث الإنسانية وحماية المصالح الأميركية في تسعينيات القرن الماضي. فكما حدث في البلقان أو ليبيا، كان من الممكن لاستخدام القوة الجوية الأميركية والتعاون مع القوات على الأرض أن يضعا بسرعة نهاية لنظام الأسد منذ 18 شهراً، ما كان سيحول دون مقتل 60 ألف شخص، فضلاً عن بروز تنظيم "القاعدة". وما زال بإمكانه اليوم إنقاذ المنطقة الأوسع من الدمار.

لا تكمن المشكلة هنا في أن مؤيدي غزو العراق أخفقوا في تعلّم الدروس منه، بل في أن معارضي الحرب، بدءاً من أوباما، استخلصوا العبر الخطأ.

* جاكسون ديهل | Jackson Diehl

back to top