كم يستغرق تأثير سحر شخص ما ليزول؟ بحلول نهاية أسبوع طويل من التعارف الودي في الأمم المتحدة، يبدو أن رئيس إيران الجديد، حسن روحاني، بحد ذاته سئم من النقاط المبهمة التي ما انفك يطرحها.

Ad

بدا صوت روحاني خلال لقائه بعض خبراء السياسة الخارجية في صالة أحد الفنادق يوم الخميس الماضي مبحوحاً بعض الشيء نتيجة الكم الهائل من الاجتماعات والمقابلات التي عقدها. قال لهم روحاني، مستعيناً بمترجم (بغض النظر عما عنى بكلماته هذه): "تتطلب التحديات العالمية ردود فعل جماعية، فيمكننا تحويل الماضي المضطرب إلى منارة تضيء درب المستقبل". لا شك أن رسالة روحاني الأساسية إلى الولايات المتحدة وسائر دول العالم كانت منعشة: تريد إيران العمل بسرعة وجدّ لإنهاء المواجهات الخطرة التي يسببها برنامجها النووي. فقد وعد: "حكومتي مستعدة لتبذل قصارى جهدها، ساعيةً للتوصل إلى قرار مقبول. نحن حاضرون لتبديد أي غموض والإجابة عن أي سؤال منطقي".

ولكن ماذا عن التفاصيل؟ ما الخطوات الملموسة التي تبدو إيران مستعدة لاتخاذها لتحد من مخاوف سائر دول العالم؟ بدا روحاني غامضاً بقدر أسلافه في هذا المجال. فعندما وُجِّهت إليه أسئلة عن مسائل مماثلة، تفاداها أو عاد إلى إصرار إيران على أنها تملك الحق بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، تماماً مثل أي دولة أخرى (لم يأتِ على ذلك منشآت التخصيب السرية الإيرانية).

يشكّل الاحتفاظ بحق تخصيب اليورانيوم أحد الأعمدة الأساسية في سياسة إيران الخارجية. ففي اجتماع مع خبراء نوويين ودبلوماسيين سابقين يوم الأربعاء الماضي، أوضح روحاني هذه المسألة بتفصيل أكبر، قائلاً إن إيران تريد تخصيب ما يكفي من اليورانيوم كي تؤمن مخزوناً ثابتاً من الوقود لمفاعل طاقة نووي واحد على الأقل.

ولكن إذا كانت إيران تصر على هذا الحق، فسيشكّل عقبة كبيرة في طريق المفاوضات. يحذّر غاري سيمور، مسؤول سابق في إدارة أوباما شارك في الاجتماع: "سيتطلب ذلك عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الإضافية. ولا تشكّل هذه الخطوة التأكيد الذي نحتاج إليه لنطمئن إلى أن إيران لن تحاول تطوير أسلحة نووية... ساورتني شكوك قبل بدء الاجتماع. وقد ترسخت مع انتهائه".

 من المؤكد أن روحاني لم يشأ تقديم التنازلات قبل بدء المفاوضات الفعلية، لكن هذا الرئيس الجديد بلغ في مسائل أخرى أيضاً الحد الأقصى من السحر الذي سمح له به رئيسه، القائد الأعلى علي خامنئي.

أخفق روحاني في الإجابة عن السؤال المتوقَّع بشأن إنكار إيران سابقاً المحرقة النازية. فقد ذكر: "لست مؤرخاً". ثم حاول تفادي استعمال كلمة "محرقة"، واكتفى في النهاية بجملة أدان فيها كل الجرائم النازية بغض النظر عن هوية الضحايا (ملاحظة إلى فريق عمله: عندما تكون الكلمات المستعملة مهمة للحضور، احرصوا على أن يتمرن رئيسكم مسبقاً على الجواب).

علاوة على ذلك، ضيّع الرئيس الإيراني فرصة مصافحة الرئيس أوباما، أو كما أشارت صحيفة متشددة في طهران، وضع "يده النظيفة... في قبضة أوباما المضرجة بالدم". رغم ذلك، تحدث روحاني إلى أوباما طوال 15 دقيقة تقريباً عبر الهاتف وهو متوجه بسيارته الليموزين إلى المطار يوم الجمعة. ويُعتبر هذا أول اتصال من هذا النوع بين القادة الإيرانيين والأميركيين منذ ثورة عام 1979.

صحيح أن هذه مسائل رمزية بمعظمها، إلا أنها تكشف القيود المفروضة على روحاني. فقد أرسله خامنئي إلى نيويورك مع خطاب بات مألوفاً، خطاب يدعو إلى "مرونة بطولية" في الدبلوماسية الإيرانية، لكن خامنئي أعلن أيضاً: "عندما يواجه مصارع خصماً ويعرب عن المرونة لأسباب تقنية، يجب ألا ينسى هوية هذا الخصم".

لم تأتِ محاولة الاستمالة والسحر الأبرز من روحاني نفسه، بل من وزير خارجيته الأكثر اتقاداً، محمد جواد ظريف، فبعد أن أنهى جلسة مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أعلن ظريف أنه وافق على شكل المحادثات التي قد تحلّ المعضلة النووية في غضون سنة.

ذكر ظريف بلغة إنكليزية سليمة أتقنها خلال السنوات الخمس التي كان خلالها ممثل بلده في نيويورك: "أنا متفائل. سنمضي قدماً. إلا أنه سيمتحن أحدنا الآخر خلال تقدمنا".

 يذكر أحد الدبلوماسيين الأميركيين أن ظريف بالغ بعض الشيء، غير أنه يضيف: "في السنتين التي عملت فيهما في هذا المجال، لم أصادف إيرانياً يجلس ويقول بصريح العبارة: إليكم ما نحن مستعدون للتفاوض بشأنه".

تشمل أسباب التفاؤل الأخرى امتناع الطرفين عن تحويل هذه المسألة إلى مسألة "الكل أو لا شيء"، ما يبقي الباب مفتوحاً أمام احتمال اتخاذ خطوات صغيرة على أمل أن تؤدي إلى صفقة شاملة.

من الجيد بالتأكيد أن يرغب روحاني في التحرك بسرعة، وإن كان سبب ذلك أن خامنئي منحه فترة زمنية محددة ليبرهن أن العقوبات ستُخَفّف، وأن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام. تخشى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما حتى اليوم أن تحاول إيران تضييع الوقت كي تتمكن من العمل على تطوير سلاح نووي، بينما يكون الدبلوماسيون منهمكين بالمحادثات. ولكن إن أقر القادة الإيرانيون بأن الوقت قصير وعملوا بموجب ذلك، فمن الممكن، إذن، تحقيق تقدّم فعلي.

رغم كل الغموض الذي لفّ خطاب روحاني، بدت إحدى مناوراته صادقة على الأقل: هذه فرصة علينا استغلالها، وإن كان هدف ذلك فحسب تحديد مدى جدية سحر الإيرانيين.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus