الربيع العربي بين النجاح والإخفاق

نشر في 03-02-2013
آخر تحديث 03-02-2013 | 00:01
من المؤسف أن يكون القاسم المشترك بين تجربتَي الديمقراطية الكبريين في العالم العربي، العراق ومصر، هو اتخاذهما خيارات سيئة. فقد قدما الانتخابات على الدستور، والمشاركة الشعبية على الحقوق الفردية.
 واشنطن بوست تشكّل فوضى الذكرى الثانية لانتفاضة ميدان التحرير آخر الأدلة وأقواها على أن الثورة المصرية خرجت عن مسارها. فجددت هذه الفوضى الحديث عن إخفاق الربيع العربي، وولدت بعض الحنين إلى النظام القديم. لكن الحكام العرب المستبدين، أمثال حسني مبارك، ما كان بإمكانهم الاستمرار في السلطة من دون مواجهة مشاكل أكبر. ويكفي أن نتأمل ما يحدث في سورية اليوم. علاوة على ذلك، تُظهر الحوادث التي شهدها الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين أن الدستور مهم أهمية الانتخابات، وأن القيادة الجيدة أساسية في المراحل الانتقالية.

لنتأمل في أوجه الاختلاف بين مصر والأردن. مع بداية الربيع العربي، بدا كما لو أن مصر تجاوبت مع إرادة الشعب، ووضعت حدًّا لماضيها المظلم، ومهدت الطريق أمام ولادة الحرية. في المقابل، اكتفى الأردن بتبني القليل من التغييرات الشخصية، وإطلاق الوعود بدراسة الوضع، والتحدث عن الحرية.

ولكن سرعان ما بدأ الوضع في مصر يسوء، في حين اتخذ الأردن مجموعة من الخيارات الحكيمة.

اختارت مصر، ببسيط العبارة، تبني الديمقراطية قبل الحرية. فأصبحت الانتخابات العنصر الأهم في النظام الجديد. فاستُخدمت الانتخابات لمنح الحكومة الجديدة الشرعية، تعيين رئيس جديد، والتصديق على الدستور الجديد. نتيجة لذلك، سيطرت على السلطة في مصر القوة الأكثر تنظيماً، جماعة "الإخوان المسلمين"، مع أن 25% فقط من الناخبين في عملية الاقتراع الأولى اختاروا مرشحها الرئاسي، محمد مرسي. كذلك تمكنت هذه الجماعة من الاستحواذ على عملية وضع الدستور. فكثرت في هذا الأخير الشوائب، منها إخفاقه في حماية حقوق المرأة (احتلت النساء أربعة فقط من مقاعد الجمعية التأسيسية المصرية الخمسة والثمانين)، فضلًا عن لغته التي تعزز، على ما يبدو، "الطابع" التقليدي للأسرة المصرية. كذلك أضعف الدستور الجديد حماية الأقليات الدينية، وخصوصاً البهائيين الذين يواجهون أساساً القمع.

بالإضافة إلى ذلك، تدين بعض مواد الدستور الجديد الكفر والتجديف، وتسمح بالرقابة على وسائل الإعلام باسم الأمن القومي. لكن هذه كلها تشكل وسائل لمنح الحكومة صلاحيات غير محدودة استخدمتها جماعة الإخوان المسلمين. فخلال ستة أشهر من حكم مرسي، فاق عدد الصحافيين، الذين حوكموا بتهمة إهانة الرئيس، عدد مَن وُجِّهت إليهم هذه التهمة خلال 30 سنة من حكم مبارك. وفي شهر نوفمبر، أعلن مرسي أن مراسيمه الرئاسية لا تخضع للمراجعة القضائية.

في المقابل، لم يسارع الملك الأردني إلى إجراء انتخابات (وتعرض لانتقادات واسعة بسبب مماطلته هذه). بدلاً من ذلك، عيّن مجلساً أوكل إليه مهمة اقتراح التعديلات الدستورية. فاستشار أعضاء هذا المجلس عدداً كبيراً من الناس في الأردن والغرب بهدف جعل نظام البلد السياسي أشمل وأكثر ديمقراطية. وفي شهر سبتمبر عام 2011، صدّق الأردن على مجموعة من التغييرات المهمة، التي أحالت بعض صلاحيات الملك إلى البرلمان وأسست لجنة مستقلة لإدارة الانتخابات ومحكمة للإشراف على مدى دستورية التشريعات.

تولت هذه اللجنة أخيراً إدارة أولى عملياتها الانتخابية، التي قاطعتها جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن بحجة أن التغييرات لم تكن كافية وأن السلطة ما زالت بيد الملك. لكن 70% من الناخبين سجلوا، و50% منهم أدلوا بأصواتهم. وتُعتبر هذه النسبة الأعلى في المنطقة. كذلك انتُخب الكثير من منتقدي الملك والحكومة، حتى إن 12% من الفائزين يُعتبرون من المرشحين الإسلاميين المعارضين. وبفضل الحصة النسبية التي حددتها اللجنة، احتلت النساء 12% من مقاعد البرلمان الجديد. صحيح أن الملك عبدالله الثاني مازال يتمتع بصلاحيات كبيرة، إلا أن النظام الجديد يشكّل بكل وضوح خطوة نحو الانتقال إلى نظام ملكي دستوري.

سلك المغرب الدرب ذاته. فقد تبنى إصلاحات دستورية. وفي الانتخابات التي تلت، فاز الحزب الإسلامي في المغرب بمئة وسبعة مقاعد من مقاعد البرلمان الثلاثمئة والخمس والتسعين، فألف حكومة. صحيح أن رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران ينتقد الغرب بشدة، إلا أنه تحدث بصرامة أيضاً عن حماية حقوق الأقليات، محدداً علانية اليهود، الذين أشار إلى أنهم يعيشون في المغرب منذ قرون ويشكّلون جزءاً لا يتجزأ من هذا البلد.

من المؤسف أن القاسم المشترك بين تجربتَي الديمقراطية الكبريين في العالم العربي، العراق ومصر، هو اتخاذهما خيارات سيئة. فقد قدما الانتخابات على الدستور، والمشاركة الشعبية على الحقوق الفردية. كذلك اختار هذان البلدان في أولى عملياتهما الانتخابية قائداً له خلفية إسلامية ولا رغبة له حقاً في تعزيز الديمقراطية الليبرالية. نتيجة لذلك، تأسس في العراق نظام "ديمقراطي غير ليبرالي". وتواجه مصر اليوم خطراً مماثلاً.

لربما تشكل تلك الملكيتان الصغيرتان النموذج الأفضل في المنطقة. فقد سلك الأردن والمغرب طريقاً مختلفاً. فتبنيا إصلاحات مدروسة وحررا النظام القائم. وهكذا اختارت هاتان الملكيتان التطور بدل الثورة. ويبدو حتى الآن أن هذا المسار هو الأسلم.

Fareed Zakaria

back to top