على أوباما تذكر رواندا في تقييمه الوضع السوري!
لا شك أن الوقوف مكتوفي الأيدي فيما يقتل الأسد شعبه بالغازات السامة سيضمن أن يُذكر أوباما في المستقبل بصفته الرئيس الذي دعا إلى بداية جديدة مع العالم الإسلامي، إلا أنه ترأس فصلاً جديداً من القصة القديمة ذاتها، مهما حقق هذا الرئيس من إنجازات أخرى.
بدأت الإبادة الجماعية في رواندا في شهر أبريل عام 1994، وفي غضون بضعة أسابيع، قدرت المنظمات غير الحكومية هناك أن نحو مئة ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين قتلوا، ولكن بعد مرور شهرين، تبادل مراسل رويترز ألن إلسنر والناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية كريستين شيلي حوارا لا يُنسى:إلسنر: كيف تصفين مجريات الأحداث في رواندا؟
شيلي: استناداً إلى الأدلة التي رأيناها من مراقبتنا التطورات على الأرض، نعتقد أن أعمال إبادة قد ارتُكبت في رواندا.إلسنر: ما الفارق بين "أعمال إبادة" و"إبادة"؟شيلي: أعتقد أن... كما تعلم، ثمة تعريف قانوني لهذا... من الواضح أنك لا تستطيع تطبيق هذا الوصف على كل أعمال القتل التي وقعت في رواندا... أما بالنسبة إلى الاختلاف بين العبارتين، فنحاول أن نصف ما نراه حتى اليوم بأفضل طريقة ممكنة. ومرة أخرى أكرر أننا نملك، استناداً إلى الأدلة، كل سبب للاعتقاد بأن أعمال إبادة وقعت.إلسنر: كم عدد أعمال الإبادة الضروري لتتحول هذه إلى إبادة؟شيلي: ألن، لست مخولة الإجابة عن هذا السؤال.بينما يبحث الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشاروه عن "أدلة حاسمة" على أن القائد السوري بشار الأسد قد استخدم أسلحة دمار شامل ضد شعبه، فإن عليهم أن يتذكروا لحظة الخزي هذه. ظهرت الأدلة، التي يراجعها أوباما، بادئ الأمر في شهر ديسمبر، عندما أرسلت القنصلية الأميركية في إسطنبول برقية تتناول بالتفصيل مقابلات مع ضحايا ومراقبي اعتداء تعرضت له حمص قبيل عيد الميلاد. فاستخلصت أن الحكومة السورية استعملت على الأرجح أسلحة كيماوية. شملت الأدلة المذكورة الشلل، وتشنجات عضلية، ونوبات، وإصابات بالعمى، وهلوسات، وتشوشاً ذهنياً. كذلك ذكرت التقارير أن الضحايا تجاوبوا مع علاج الأتروبين، دواء يُستخدم لمداواة مَن يتعرضون لغاز الأعصاب سارين. ولا شك أن هذه الأخبار لم تكن مواتية بالنسبة إلى إدارة مصممة على عدم زيادة تدخلها في سورية. لذلك أعلن المسؤولون الأميركيون في مطلع شهر يناير أن الحكومة السورية استخدمت "مادة مخصصة لضبط مثيري أعمال الشعب". لكن أدلة مماثلة ما انفكت تظهر إلى أن أرغمنا حلفاؤنا (البريطانيون والفرنسيون وحتى الإسرائيليون) على الاعتراف بهذا الواقع.لم تُرِد إدارة كلينتون الإقرار بأن رواندا كانت تشهد إبادة لأن الولايات المتحدة ملزمة قانونياً بالتدخل لوقف عمليات القتل بموجب اتفاقية منع الإبادة عام 1948. أما رفض إدارة أوباما الإقرار باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، فيعود إلى تحذير أوباما النظام السوري بشكل واضح وحاسم في أغسطس الماضي من استخدام أسلحة مماثلة. فقد أعلن أوباما: "ستكون العواقب وخيمة إذا بدأنا نشهد أي تحرك على جبهة الأسلحة الكيماوية أو استخدام للأسلحة الكيماوية. فسيبدل هذا حساباتنا كثيراً".من المؤسف أن تبديل اللعبة صعب. علاوة على ذلك، لم يعرب أوباما (مخالفاً توصيات مستشاريه، حسبما يُقال) عن اهتمام كبير بتدخل في سورية يتخطى تقديم مساعدة غير مميتة لبعض قوات المعارضة، وجهود دبلوماسية مع روسيا والأمم المتحدة، ومناورات سياسية رامية إلى توحيد المعارضة.ولكن على البيت الأبيض الإقرار أن اللعبة قد تبدلت، ولا شك أن مصداقية الولايات المتحدة باتت اليوم على المحك. صحيح أن أوباما يسعى للاختباء وراء قرار غزو العراق الذي استند إلى معلومات استخباراتية خاطئة عن امتلاك هذا البلد أسلحة دمار شامل، إلا أن من الضروري أن يعي الضرر الكبير الذي سيتسبب به للولايات المتحدة ولإرثه في حال أخفق في اتخاذ الخطوات اللازمة. ينبغي أن يفهم الضرر العميق والدائم الذي سينجم عندما تصبح الفجوة بين الأقوال والأعمال أكبر من أن نتجاهلها، وعندما يظهر مَن في السلطة بمظهر مَن يقولون ما لا يضمرون أو لا يعنون ما يعلنون.تحول نظرة عدم الثقة، والسخرية، والكره التي ينظر بها الجزء الأكبر من العالم، خصوصاً المسلمين في أنحاء الشرق الأوسط المختلفة وشمال إفريقيا، إلى الولايات المتحدة إلى سرطان متفشِ. ولا شك أن الوقوف مكتوفي الأيدي فيما يقتل الأسد شعبه بالغازات السامة سيضمن أن يُذكر أوباما في المستقبل بصفته الرئيس الذي دعا إلى بداية جديدة مع العالم الإسلامي، إلا أنه ترأس فصلاً جديداً من القصة القديمة ذاتها، مهما حقق هذا الرئيس من إنجازات أخرى.لا يرى العالم الحسابات المعقدة داخل البيت الأبيض (صعوبة تحقيق أي نتيجة إيجابية في سورية، حتى مع التدخل العسكري، والضرر الذي سيلحق بأجندة أوباما المحلية في حال خاض وحول صراع آخر في الشرق الأوسط). إلا أنه سيرى المدنيين السوريين يتدحرجون أرضاً والرغوة تخرج من أفواههم، فيموت آلاف منهم فيما تقف الولايات المتحدة مكتوفة اليدين.سيدي الرئيس، كم يجب أن يستخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية ليتخطى الخط الأحمر الذي رسمته بشأن هذه الأسلحة؟ ولا شك أن هذا سؤال يجب أن تكون مخولاً الإجابة عنه.* آن ماري سلوتر | Anne-Marie Slaughter ، بروفيسورة متخصصة في السياسات والشؤون الدولية في جامعة برينستون. كانت مديرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية بين عامَي 2009 و2011.