«ماكنش العشم أيها القائد السيسي!»
المحنة القاسية التي يتعرض لها الشعب السوري جراء ثورته على الظلم والطغيان، والتي حولته من شعب ثائر إلى شعب لاجىء بفعل الإجرام الأسدي والتواطؤ الدولي جعلته يقطع الفيافي والقفار ويصارع الأمواج ويجوب البحار لتأمين لجوء آمن، ريثما تنتهي محنته ويعود حراً كريماً إلى وطنه.آلة الإبادة الأسدية لم تترك وسيلة إلا واسخدمتها لإجهاض ثورة الشعب، ولكن دون جدوى، وآخرها المجزرة الكيماوية في ريف دمشق، حيث التحدي السافر لإرادة المجتمع الدولي جهاراً نهاراً، وفي حضرة الفريق الأممي الموجود في قلب دمشق للتحقيق في الاستخدام الكيماوي وسط "تطنيش دولي" مخز عمّا يجري وغياب عربي شبه كامل عن مسرح الأحداث ما عدا "الإنسانيات الغذائية"!
وذلك الأمر زاد من قسوة المحنة لأن هذا الشقيق لم يكن بمستوى هذه الصلة، إذ كان قاسياً مع من لجأوا إليه قسراً وقهراً، وكأنهم جاؤوا ليسلبوا منه وطنه ولقمة عيشه، ناسياً أن لديهم وطناً عزيزاً ولا يرضون بديلاً عنه في أرجاء المعمورة، وناسين أيضاً أن هذا الشعب استقبل عبر تاريخه كثيراً من الهجرات إليه، وكان كريماً وشهماً مع كل من أتوا إليه من شركس وكرد وأرمن وفلسطينيين ولبنانيين وعراقيين وحتى مصريين ممن كانوا مع حملة إبراهيم باشا إبان حكم محمد على.الصدمة الكبرى كانت لدى السوريين أن الجار الصديق كان أكثر عطفاً ورحمة ورقياً من "الجار الشقيق" و"الأخ من غير الجوار"... فتركيا كانت الأم الحنون على شعبنا وفتحت لهم الأرض والعمل والدراسة وتحملت جراء ذلك الكثير من الأعباء المادية والأمنية ووصل عدد اللاجئين السوريين لديها إلى ما يزيد على 500 ألف ولم تسئ إلى أي منهم وظلت وفيّة لمبادئها. يقال "العتب على قدر المحبة"، ومصر بالنسبة إلى السوريين ليست البيت الثاني فحسب وإنما النصف الحلو المكمل لهم إن لم تكن توأم الروح... والتاريخ بقديمه وحديثه يؤكد ذلك، إضافة إلى أن الربيع المصري كان الحافز الأكبر للشعب السوري للانتفاض على الظلم والطغيان... ومصر التي جعلها بلد الأمن والأمان بقوله تعالى "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، وهي لم تغلق يوماً قلبها ولا أبوابها بوجه الزائر والضيف والشقيق.لكن ما الذي حدث بعد ثورة 30 يونيو إذ بات السوريون مطاردين ومنبوذين وخارجين عن القانون، ولا ندري أهو بعض الإعلام المغرض الذي عمل "من الحبة قبة"؟ أم هي الحالة الأمنية التي أخذت الكل بجريرة بعض البعض ممن أساؤوا إلى آداب الإقامة والضيافة؟ أم هو معاكسة الاتجاه ولو كان منزلقاً؟!ندرك حجم الضغوط الأمنية على صانع القرار، وندرك أيضاً أن هناك بعض التجاوزات من قبل بعض السوريين وغيرهم والمرفوضة أمنياً وقانونياً وأخلاقياً، والقضاء كفيل بهم، ولكننا لا نفهم ما معنى أن يؤخذ الجميع بجريرة بضع أشخاص، وأن يتعرضوا للمساءلة والضغوط الشتى حتى إن كان وضعهم القانوني سليماً... فهل لأنهم فقدوا أوطانهم مؤقتاً وهذا ما يجعلهم يفقدون بالضرورة مناعتهم بل جزءاً من كرامتهم ويصبحوا عرضة للمهانة والتشهير."الإخوان المسلمون" تنظيم دولي وله أتباع وفروع في أغلب الدول العربية والإسلامية، ومن الطبيعي أن يوجد بين الجاليات المقيمة والوافدة في مصر أعضاء أو مناصرون له، وحتى لو لم تكن هناك محنة في سورية فسيساندهم أتباعهم من سورية، ومن كل صنف ولون من بقية الدول مهما كانت التبعات لأنها بالنسبة لهم مسألة عقيدة، ويجب أن تقاس الأمور على هذا النحو، ولا يتهم شعب بأكمله بالتجاوز ويتعرض للملاحقة والإقامة شبه الجبرية خشية الاعتقال.أمن مصر من أمننا نحن السوريين... واستقرارها وريادتها ضرورتان قوميتان وتجاوز محنتها ضرورة أيضاً للأمن القومي العربي، وهي عبر تاريخها الأخ والسند، بل الأم الرؤوم لكل عربي، وأي فعل معاكس لا يليق بها ولا بمكانتها، وكم كنت أتمنى من وزير الدفاع "السيسي" بما له من رصيد شعبي أن يوجه كلمة طيبة للشعب المصري يحضهم على التحلي بالروح الطيبة تجاه أشقائهم مع العمل على فرملة بعض فضائيات الفتنة وبث الأحقاد مع تخفيف الضغوط الأمنية تجاه السوريين لأن أكثرهم مستثمرون وأصحاب مصالح ووجودهم مؤقت، وأخلاق الثوار تأبى مهانة الأحرار... أشك أن تصل صرختي إلى مسامعك أيها القائد... لكننا محكومون دائماً بالأمل... دامت مصر حرة عزيزة.