تدعي الحكومة البريطانية أنها تساعد الذين يشترون المساكن للمرة الأولى، لكن الواقع انها تساعد الذين يرغبون في إبقاء أسعار المساكن عالية، وهم المالكون الحاليون والبنوك وشركات بناء المساكن.

Ad

ذكر نابليون من قبل «ان البريطانيين ليسوا أمة من أصحاب المحال، بل هم بالأحرى أمة من المضاربين في العقارات». هذا هو السبب في أن الحكومة البريطانية التي التزمت من الناحية الاسمية بالتقشف في المالية العامة، قررت استخدام ميزانيتها العمومية حتى 130 مليار جنيه (أي ما يعادل 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، من أجل ضمان القروض العقارية، كجزء من برنامجها «المساعدة في الشراء». 

وتدعي الحكومة أنها تساعد الذين يشترون المساكن للمرة الأولى، لكن الواقع أنها تساعد الذين يرغبون في إبقاء أسعار المساكن عالية، وهم المالكون الحاليون والبنوك وشركات بناء المساكن. إن الحكومة تعمل على تقوية مؤامرة تستهدف إبقاء أسعار المساكن عند مستويات عالية جدا.

ويتألف البرنامج من جزأين: الأول هو أن تموّل الحكومة حصة في حق الملكية. بموجب ذلك، ستدفع مقدماً حتى 20 في المئة من سعر المسكن، ما يسمح للمشترين بوضع دفعة أولى بنسبة 5 في المئة فقط على العقارات الجديدة، التي تصل قيمتها إلى 600 ألف جنيه.

من المتوقع ان تبلغ تكلفة هذا البرنامج 3.5 مليارات جنيه، ومن المقرر أن يستفيد منه 80 ألف مشتر للمساكن الجديدة، ويتألف الجزء الثاني من ضمانات للقروض العقارية –أي المعادل البريطاني لوكالتي فاني ماي وفريدي ماك الأميركيتين. تضمن الدولة للبنوك مبالغ تصل إلى 15 في المئة من قيمة القرض على العقارات التي تبلغ قيمتها 600 ألف جنيه أو أقل.

 

قيمة العقار

 

وهذا سيضع حدا أعلى للمخاطرة بالنسبة للبنوك، يبلغ 80 في المئة من قيمة العقار، حتى ولو انه أقرض صاحب العقار مبلغاً يصل إلى 95 في المئة. برر ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البرامج الجديدة بأنها طريقة لتصحيح «إخفاق البنوك» الذي أدى إلى أن تطلب البنوك دفعات مقدمة عالية. 

هل هذا إخفاق للسوق؟ لا، بل هو مجرد تصرف حصيف، خصوصا حين تكون أسعار المساكن مرتفعة إلى هذه الدرجة. لاحظ كذلك أن البرنامج لا يساعد الفقراء بل من يفتقرون إلى النقد. حتى عند نسبة 6 إلى 1، فإن الدخل اللازم لتكون الأسرة قادرة على تكاليف قرض بنسبة 95 في المئة من مسكن بقيمة 600 ألف جنيه هو 95 ألف جنيه. 

وهذا المبلغ يتجاوز كثيرا ضعف متوسط الدخل، لأسرة تتألف من شخصين عاملين. باعتبارها طريقة لحل مشكلة نشأت عن الأسعار العالية في مناطق مزدهرة في بريطانيا، تعتبر سياسة زيادة الطلب سياسة غير معقولة. ربما تعمل قليلاً على زيادة العرض، لكن ذلك لن يحدث إلا من خلال زيادة الأسعار إلى أعلى، حتى لو كان الحال خلافاً لذلك. 

إذا أراد أحدهم زيادة العرض فإن الحل واضح، لكنه غير وارد أبداً من الناحية السياسية، وهو إتاحة كميات كبيرة من الأراضي للتطوير وفرض ضريبة قيمة متغيرة، من أجل إكراه الشركات على البناء. في السبعينيات، بنت بريطانيا في المتوسط 300 ألف مسكن في السنة. 

 

محور السياسة

 

لكن بين 2001 و2011 كان متوسط البناء 188 ألف مسكن سنويا، مع ان عدد السكان ارتفع بنحو 3.5 ملايين نسمة. إنه العرض أيها الأحمق! السبب في ان هذه النقطة لم تكن محور السياسة، هو أن فعل ذلك سيكون غير شعبي، ويتسم بالخطر إلى حد كبير. 

سيكون عملاً غير شعبي بسبب المقاومة المتشددة من كتيبة «لن يكون ذلك بجواري». «حملة حماية الريف البريطاني»، أو «حملة سَجن مدن بريطانيا» كما أراها، ستحمل السلاح. وسيفعل كذلك مالكو «مجموعات الأراضي» المتاحة للبناء ومالكو مساكن اليوم. 

جماعات الضغط المذكورة قوية جدا ولا تقدر عليها أي حكومة. ولن تستطيع التعامل معها. في البداية حاولت الحكومة اللجوء إلى تحرير القيود المتشددة جدا في بريطانيا على استخدام الأرض، لكنها لم تحقق شيئا يذكر. كذلك سيكون التحرير خطرا لأنه ربما يهدد استقرار المصارف البريطانية. 

في محاضرة رائعة حول المال والبنوك أُلقيت في الشهر الماضي، قال اللورد أدير تيرنر، الذي كان رئيساً لمجلس إدارة سلطة الخدمات المالية: إن الإقراض من البنوك البريطانية، يساند في الدرجة الأولى شراء العقارات القائمة. في 2009 كانت نسبة مذهلة هي 64 في المئة من إجمالي القروض البريطانية للقروض السكنية. وكان نحو 13 في المئة منها للعقارات التجارية، و12 في المئة لقروض شخصية غير مؤمنّة، ومجرد 12 في المئة لقروض الشركات الأخرى. 

 

قروض عقارية

 

بصورة إجمالية كانت القروض العقارية تشكل 76 في المئة، من إجمالي القروض. مع ذلك، الأمر اللافت للنظر هو أنه بين الربع الثالث لعام 2007 والربع الثاني لعام 2013، بلغت قيمة المبالغ المشطوبة 80 مليار دولار بين البنوك البريطانية وبنوك الإسكان على القروض إلى الأفراد مؤمنة على مساكنهم، وهذه القروض كانت مأمونة في مثل أمان المساكن. 

من الأسباب المهمة لذلك هو أنه –على خلاف ايرلندا وإسبانيا والولايات المتحدة– كان التراجع في أسعار المساكن بعد الأزمة متواضعا جدا. في أغسطس 2013، كانت الأسعار الحقيقية للمساكن في إنكلترا وويلز أدنى بنسبة 15 في المئة فقط عن مستوياتها قبل الأزمة، وكانت أعلى بنسبة 140 في المئة عن مستوياتها الأدنى في منتصف التسعينيات. 

* (فايننشال تايمز)