قبل الحديث عن خصخصة الموانئ والكهرباء والبريد وغيرها، ينبغي تأسيس هيئات تتولى تنظيم هذه القطاعات، لا أن يؤول ملف التخصيص للوزارات المختصة بكل ما فيها من بيروقراطية وسوء إدارة حكومية.

Ad

في خطوة قد تفتح أبواب الاختلالات في ملف «الخصخصة» على مصاريعها، أعلن وزير المواصلات سالم الأذينة مطلع الاسبوع الجاري أن «العمل على خصخصة الموانئ في البلاد من أولويات المرحلة المقبلة لا سيما بعد تجهيز ميناء مبارك ودخوله الخدمة رسمياً»، مشيرا الى توجه لدى الحكومة نحو تطبيق الخصخصة في القطاعات الخدمية.

وفي الحقيقة فإن هذه الاختلالات تعزز المخاوف من ان تكون هذه الخصخصة نوعا من التنفيع او ان تحدث خللا اجتماعيا واقتصاديا في المجتمع، خصوصا ان نسبة العاملين الكويتيين في وزارات ومؤسسات الدولة الحكومية تبلغ 94% من اجمالي قوة العمل الكويتية، وهو رقم كبير جدا ويعتبر احد اهم معوقات الخصخصة في الكويت.

ورغم صدور قانون الخصخصة عام 2010، فإنه ظل قانونا اطاريا عاما لا يلتفت إلى العديد من التفاصيل التنفيذية التي تعرقل عملية الخصخصة او تضمن نجاحها، فمثلا لا يمكن نجاح تخصيص اي مرفق دون ان يسبق هذا التخصيص تأسيس هيئة ناظمة تتولى ادارة هذا القطاع لا ملكيته، ففي الكويت توجد لدينا 3 شركات للاتصالات منذ سنوات الا انه لم يصدر قانون لهيئة الاتصالات الا قبل اسابيع قليلة.

التنافسية وحقوق المستهلك

ولعل موضوع الهيئات الناظمة في معظم دول العالم يعتبر من اهم ضمانات نجاح اي عملية تخصيص، فهي التي تنظم التنافس بين الشركات وتضمن حقوق المستهلك وحتى العمالة، وهي التي تضمن الا يسيطر مالك واحد على شركتين تعملان في نفس القطاع كما حدث في مشروع تخصيص شركات الوقود، او ان يتحالف ملاك شركتين لرفع الاسعار او الاتفاق على سوء الخدمة المقدمة للمستهلك، فضلاً عن دور هذه الهيئات، التي تعمل في العديد من الدول، كمرجع لدراسة جدية العروض والاسعار وشكاوى المستهلكين.

لذلك فإنه قبل الحديث عن خصخصة الموانئ والكهرباء والبريد وغيرها، فإنه من الواجب تأسيس هيئات تتولى تنظيم هذه القطاعات، لا ان يؤول ملف التخصيص للوزارات المختصة بكل ما فيها من بيروقراطية وسوء ادارة حكومية، اذ ان الهيئات الناظمة يجب ان تدار بالشراكة بين القطاعين العام والخاص وذوي الخبرة، لأن اطلاق التخصيص قبل تأسيس هذه الهيئات سينتج عنه اكثر من خلل يسيء لسمعة الخصخصة بدلا من ان يروج لها.

كذلك ثمة معضلة في فلسفة التخصيص الكويتية وهي ان الدولة عندما تتخلى عن ملكيتها في القطاعات التي تمتلكها مثل شركات الاتصالات او البنوك فإنها تحتفظ بحق اصدار الرخص للشركات الجديدة في نفس القطاع وكأن الدولة هنا ضامن للاحتكار، فما الذي يمنع ان تقرر مجموعة من المستثمرين تأسيس بنك او شركة اتصالات او طيران او وقود طالما ان الدولة لم تعد مالكة له او على الاقل تخلت عن ادارته، إذ إن تقييم مسألة الربح او الخسارة ومدى قدرة السوق على استيعاب التنافس بين الشركات يجب ان يكون خاضعا للمستثمرين انفسهم لا للدولة.

قرار المستثمر

وبالطبع، فإن اي مستثمر يريد تأسيس شركة في قطاع معين سيعرف من خلال دراساته هو لا دراسات الحكومة ان كان السوق يستوعب المنافسة ام لا، وبالتالي كلما زادت الشركات زادت التنافسية في السوق من حيث الخدمة والاسعار، بما يتيح الفرصة لعمالة وطنية اكثر، فمثلا شركات الكهرباء ستوظف المهندسين والفنيين من وزارة الكهرباء وكذلك بالنسبة للبريد والموانئ.

الا ان علينا ايضا ان نعترف بأن حجم العمالة في وزارات الدولة اكثر بكثير من قدرة الشركات على استيعابها، لذلك فلا مناص من ان يواكب عمليات التخصيص تطبيق حقيقي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة كي تستوعب جانبا مهما من العمالة الحكومية التي تبتغي العمل الخاص بعد تخصيص قطاعاتها، فمثلا إذا أسست الحكومة محفظة لتمويل المشاريع الصغيرة برأسمال يبلغ 2-3 مليارات دينار فإنه يمكنها أن تقتطع من الفوائض المالية للدولة لمدة 5 سنوات، بحيث يكون متوسط رأسمال المشروع الواحد 150 ألف دينار، وتقوم المحفظة بتمويل 60 إلى 80 في المئة من رأسمال المشروع دون فوائد، على أن يسدد المالك التزاماته تجاه المحفظة على مدى 10 - 15 سنة، فهنا يمكن الحديث عن توفير ما بين 13 و20 ألف فرصة عمل للشباب الكويتيين في مشاريع إنتاجية واقتصادية وخدمية.

مزايا للمشاريع

 بل إنه يمكن إعفاء مالك المشروع من سداد 10 إلى 20 في المئة من قسط التمويل إذا التزم بتشغيل عدد معين من الكويتيين ضمن مشروعه الصغير، وهنا نكون وفرنا على الدولة توظيف أكثر من 30 ألف موظف، مما سيخفف الضغط بشكل كبير على الباب الأول من الموازنة العامة للدولة، لا سيما أن التوقعات المستقبلية تشير إلى أن الحكومة التي يطلب منها اليوم أن توفر نحو 20 ألف وظيفة سنوياً عليها بعد 18 عاماً أي في 2030 أن توفر 74 ألف وظيفة سنوياً، وهو أمر شبه مستحيل في ظل استمرار الوضع الحالي المتعلق بتضخم الجهاز الإداري للدولة ومحدودية القطاع الخاص، فضلاً عن وجوب وصول برميل النفط إلى سعر 213 دولاراً للوصول إلى نقطة التعادل مع الميزانية.

 وبالطبع، تعد معرفة جدية المشروع من عدمها شرط أساسي للتمويل، لذلك يمكن أن تعتمد المحفظة عدداً من شركات الاستشارات، خصوصاً العالمية منها للقيام بدراسات الجدوى وملاءمة المشروع للمعايير الاستثمارية وإمكانية السوق الكويتي ومدى القدرة على سداد التمويل وغيرها من المعايير الأساسية قبل التمويل.

للأسف، لم يكن قانون التخصيص اكثر من اطار عام للخصخصة، ولم يتطرق إلى تنظيم القطاعات وتأسيس هيئات تتولى الاشراف على الشركات وضمان التنافسية وجودة الخدمة، وهو ما يستلزم اصدار قوانين تنظيمية لكل قطاع دون وجود فلسفة موحدة لعمليات التخصيص.