أرجع المترجمون والمثقفون أزمة الترجمة الراهنة في مصر إلى الفوضى الحاصلة في مؤسسات الدولة، خصوصاً وزارة الثقافة وعدم اتخاذ القرارات تجاه رعاية وزيادة حركة الترجمة، مشيرين إلى تقلص ميزانيات المؤسسات التي تقوم بالترجمة.

Ad

المثقفون ربطوا أيضاً بين الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر والوهن الذي تعانيه الترجمة، مؤكدين أنهم كانوا يأملون في أن تساهم الثورات العربية بتعزيز الترجمة، ولكن ما إن بدأت بوادر ذلك فعلاً حتى جاءت الأزمة الاقتصادية فأحبطت الأمل.

قال الأديب يوسف القعيد إن الترجمة في مصر ينقصها التنسيق ووضع خطة عامة ذات أبعاد محددة، رافضاً جعل الثورة نقطة تاريخية تفصل الترجمة قبل الثورة وبعدها، مشيراً إلى وجود عقدة الخواجة عند المصريين، من خلال الاهتمام بترجمة أعمال الآخرين، أكثر من الاهتمام بترجمة الأدب المصري إلى لغات العالم المختلفة. وأضاف أنه لا بد من إعادة طباعة الأعمال القديمة التي تمت ترجمتها مثل أعمال شكسبير ليستفيد منها الشباب.

قال المترجم والشاعر مصطفى عبد الباسط بدوره إن ميزانية المركز القومي للترجمة قلت بعد الثورة و أصبحت لا تكفي العام،  والمشكلة قبل الثورة وبعدها هي عدم وجود استراتيجية واضحة للمترجم، فعند اختيار كتاب للترجمة لا نعرف مدى اهتمام الدولة بهذا المجال على رغم أنه يجب تحديد استراتيجية لمعرفة الكمية المطلوبة في كل مجال. وأَضاف باسط  أن المركز القومي للترجمة أفضل جهة للترجمة داخل مصر والأكثر ترجمة.

في السياق نفسه، ذكر رئيس المركز القومي للترجمة السابق ورئيس الثقافة الأسبق  جابر عصفور لـ{الجريدة} أن الترجمة في مصر تمر بمشاكل عدة، أولها نقص التمويل وقلة العائد المادي على المترجم، إضافة إلى أن الثورة أوقفت التعامل مع دول عدة للترجمة. ولكن قبل الثورة كان عدد اللغات التي تتم الترجمة إليها 44 لغة حية غير اللغة العربية. أما الآن، فبعد الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر، أصبحت الترجمة في مرحلة يصعب وصفها. وأوضح أن تغيير رؤوساء المركز القومي للترجمة باستمرار يعد إحدى المشاكل التي تؤثر على الترجمة سلباً.

تقلصات في الميزانية

تزامنت الأزمة التي تشهدها حركة الترجمة في مصر راهناً مع أزمة حادة في حركة الترجمة تشهدها أسبانيا، وذكرت وكالات وصحف عالمية أن الأخيرة تواجه أزمة اقتصادية وتشهد تقلصاً في ميزانيات المؤسسات التي تقوم بأعمال الترجمة. كذلك أوضحت دراسة قامت بها مدرسة طليطلة للترجمة، مقرها مدينة طليطلة، وسط أسبانيا، بين عامي 1995 و2010 إلى أن المدرسة ترجمت 505 كتب خلال هذه الفترة من مختلف اللغات القومية في أسبانيا إلى اللغة العربية بمعدل يفوق 35 كتاباً مترجماً في السنة.

وأشار لويس ميغيل بيريث، مدير مدرسة طليطلة الذي ترجم لكبار الكتاب العرب أمثال جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف والشاعر بدر شاكر السياب، إلى {تراجع طلبات مشاريع الترجمة هذه السنة من المترجمين الذين اعتادوا البحث عن كتب ألفت حديثاً واقتراحها لأجل ترجمتها إلى اللغة الأسبانية}.

يُذكر أن أسبانيا تربطها علاقة خاصة بالحرف العربي والثقافة العربية التي شكلت جزءاً من تاريخ البلد الأوروبي طيلة ثمانية قرون بسبب الوجود العربي في شبه الجزيرة الأيبيرية الذي بدأ بخطبة طارق بن زياد وانتهى بقصائد رثاء الأندلس. وخلال فترة الرخاء الاقتصادي عاد الكتاب العربي إلى المكتبات الأسبانية بحكم الترجمة التي قام بها جيل من المستعربين لإرساء جسور بين الثقافة الأسبانية والعربية بعدما انقطع حبل الود بينهما لقرون طويلة. لكن الأزمة الاقتصادية التي تهز أسبانيا منذ خمس سنوات كان لها تأثير على دور النشر الصغيرة التي اهتمت بترجمة روائع الأدب العربي مثل روايات نجيب محفوظ أو علاء الأسواني وغيرهما.