محور صيني؟

نشر في 18-04-2013
آخر تحديث 18-04-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت  تُرى هل تعتزم الصين، في عهد رئيسها الجديد شي جين بينغ، إقامة محور دبلوماسي خاص بها يتوازى مع "محور آسيا" الأميركي؟ إن أولى المبادرات الدولية المهمة التي أطلقها شي- جعل روسيا أول مقصد لزياراته الرسمية إلى الخارج، ثم حضور قمة مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) بعد ذلك مباشرة في جنوب إفريقيا- تشير إلى أن الصين ربما تسعى إلى وضع علاقاتها مع الدول الناشئة الأكثر قوة على مستوى العالم على قدم المساواة مع دبلوماسيتها في التعامل مع الولايات المتحدة. والواقع أن هذا الاحتمال يدعمه البيان الصادر عن شي مؤخراً بشأن العلاقات مع الهند، والتي وصفها بأنها "واحدة من أكثر العلاقات الثنائية أهمية" بالنسبة للصين.

إن تركيز شي المبكر على العلاقات الصينية الهندية ليس بالأمر المعتاد بالنسبة إلى زعيم صيني، فقد أعلن برنامجا من خمس نقاط، أشبه بمبادئ جواهر لال نهرو الخمسة للتعايش السلمي، التي نفذت بموجب معاهدة البانتششيل بين البلدين في عام 1954.

ووفقاً لبرنامج شي، في انتظار التسوية النهائية للقضايا المرتبطة بنزاعات على الأرض، فإن البلدين لابد أن يتعاونا من أجل الحفاظ على السلام والهدوء ومنع النزاعات الحدودية من التأثير في مجمل العلاقات. ويتعين على الصين والهند مواصلة الاتصالات الاستراتيجية الوثيقة من أجل إبقاء العلاقات الثنائية على "المسار الصحيح".

وعلاوة على ذلك، يتعين على البلدين أن يعملا على تسخير مواطن القوة النسبية لدى كل منهما وتوسيع التعاون المتبادل في مجالات البنية الأساسية والاستثمار وغير ذلك من المجالات؛ وتعزيز الروابط الثقافية لدعم هذه الصداقة المتوسعة؛ وتعزيز أواصر التعاون في المحافل التعددية من أجل حماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية في التصدي للتحديات العالمية. وأخيرا، يتعين على كلا البلدين أن يستوعب المخاوف الأساسية لدى الآخر.

وفي حين كان شي مشغولاً بالتحديات الداخلية في بلاده منذ أصبح أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر، ثم الآن بعد أن أصبح رئيساً للبلاد منذ مارس، فإن العلاقات مع الهند من الممكن أن تخلف تأثيراً مباشراً في الأوضاع الداخلية. على سبيل المثال، تعني رغبة الصين في منع الاتجار بالمخدرات في إقليم يونان الجنوبي أن قوات الشرطة والأمن لديها مهتمة إلى حد كبير بما يحدث في ميانمار، الدولة التي تشكل أيضاً أهمية خاصة للهند. ثم بالطبع، هناك مسألة التبت، التي ربما تشكل التخوف الأمني الداخلي الأعظم في الصين، والتي تعد أيضاً مصدراً دائماً للتوترات مع الهند، نظراً لنزاعات على الأرض. ويشير غضب الصين مؤخراً إزاء الزيارة التي قام بها الدلاي لاما إلى دير تاوانغ في أرونشال براديش، وهي أرض هندية تدعي الهند ملكيتها لها، يشير إلى مدى القوة التي لا تزال هذه القضية تتسم بها. وقد اقترح هو شي شينغ، وهو محلل استراتيجي بارز لشؤون جنوب آسيا لدى المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، أن مثل هذه الزيارات "لا تعني أن العلاقات بين الهند والصين في حالة اضطراب، ولو أن احتمالات الانزلاق إلى متاعب تظل مرتفعة.

ولكن في ظل زعامة شيء، تبدو الصين حريصة على إبراز الإيجابيات. فقد حددت صحيفة الحزب الشيوعي الصيني الرسمية (صحيفة الشعب اليومية) مؤخراً "اثنين من مجالات الاهتمام المشترك مع الهند" والتي تشكل أهمية كبرى. ومع السيطرة على القضايا الحدودية فعليا، فلابد من التركيز بشكل أكبر على "التجارة والقضايا التعددية"، حيث قد يؤدي النجاح إلى "فصل جديد" ومرغوب في العلاقات الثنائية.

هل يتراجع إذن مستوى "عدم الثقة" بين القوتين؟ من الواضح أن صحيفة الشعب اليومية تعتبر العلاقات الثنائية طبيعية في هذه المرحلة. ويبدو أن الهند متفائلة بنفس القدر، بل إن أحد المسؤولين الرسميين في الهند قال مؤخرا، في معرض حديثه عن التوترات في بحر الصين الجنوبية: "لا ينبغي لأحد أن يفترض أن الخلاف البحري بين الهند والصين أمر حتمي لا مفر منه". وأضاف المسؤول: "إن الهندي والهادئ منطقة جيوسياسية واحدة، ولكن انظروا إلى الوضع في المحيط الهندي. إن الموقف بالقرب من الصين، سواء في بحر الصين الشرقي، أو بالقرب من اليابان، أو في منطقة غرب المحيط الهادئ، مختلف تماما. فالهند والصين والولايات المتحدة- الكل يحتاج إلى وصلات بحرية؛ فإمدادات الطاقة لكل من هذه الدول تمر عبرها".

بيد أن تقريرا سريا صادرا عن وزارة الدفاع الهندية، يؤكد "تزايد عدد الغواصات الصينية التي تغامر بالدخول إلى منطقة المحيط الهندي، الأمر الذي يفرض بالتالي مخاطر على المصالح الأمنية للهند". ويشير التقرير إلى أن ما لا يقل عن "22 احتكاكا تم تسجيلها مع مركبات يعتقد أنها غواصات هجومية صينية تقوم بدوريات خارج المياه الإقليمية لبكين في العام الماضي"، وحذر من أن "التركيز الضمني" للبحرية الصينية يبدو "السيطرة على ممرات الاتصال البحرية البالغة الحساسية".

وينبغي لنا أن ننظر إلى الجهود التي يبذلها شي لتعزيز العلاقات مع الجارة الأخرى الضخمة للصين، أو روسيا، باعتبارها مكملة لمساعي التواصل مع الهند. وهنا، كان ازدراء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضح للولايات المتحدة والغرب معيناً للجهود التي يبذلها شي. فالصين تشارك روسيا شكوكها في هذا الصدد؛ بل إن شي أعلن أن روسيا والصين "تتحدثان لغة مشتركة" عندما يتعلق الأمر بالجانب الجيوسياسي.

هناك بطبيعة الحال أسباب مشروعة تماماً لقيام علاقات صينية روسية وثيقة، فالبلدان شريكان في منظمة شنغهاي للتعاون، والصين هي الدولة الأكثر استهلاكاً للطاقة على مستوى العالم، في حين تعد روسيا أكبر دولة موردة للطاقة. والتجارة الثنائية بين البلدين مزدهرة، حيث بلغت قيمتها 88 مليار دولار سنويا.

ينبغي لنا أن ننظر إلى محور شي الإقليمي بوصفه جزءاً من رؤيته الكبرى لتجديد شباب الأمة الصينية، والتي تدعو الصين في الأساس إلى استئناف زعامتها البالغة الأهمية في آسيا، والتي مارستها طيلة أقسام كبيرة من تاريخها. والواقع أن طموحاته واسعة، غير أنه يبدو عازماً هو والشعب الصيني على تحقيق هذه الطموحات. وهذا أعظم كثيراً مما يمكن أن يقال عن التخبط الاستراتيجي المشوش الذي تمارسه الهند.

* جاسوانت سنغ، شغل مناصب وزير المالية والخارجية والدفاع في الهند سابقا، وهو مؤلف كتاب «جناح: الهند ــ التقسيم ــ الاستقلال»، وكتاب «الهند في خطر: أخطاء وأوهام ومصائب السياسة الأمنية».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top