لا يمكن القبول بمبدأ تأديب الناس والحث على ضربهم والنيل من كرامتهم، لمجرد أنهم خالفوا القانون وخرجوا بمسيرات في عدد من المناطق والأحياء السكنية، وليتحملوا ما يأتيهم، وهو منطق إن ردده العامة فلا يمكن قبوله، فكيف هو الحال عندما يصدر من نواب يفترض بهم أنهم يمثلون الأمة بأسرها لا كراسيهم ولا معتقداتهم ولا أفكارهم، فهي كارثة ما بعدها كارثة لما تحمله أفكار بعض النواب من إمكانية التبرير بضرب الناس وتأديبهم من قبل رجال الأمن لا القضاء، في سبيل وقف المسيرات، بدلا من المطالبة بتطبيق القانون عليهم دون تجاوز أو مغالاة، ولذلك فإن وقوع الجريمة لا يبرر ارتكاب جريمة أخرى بحجة ضبط الأولى!

Ad

فخروج عدد من الشباب وتنظيمهم مسيرات سكنية أمر يعاقب عليه القانون بالحبس والغرامة وفق قانون الجزاء، إن ثبت وجود قصد جنائي بارتكاب جريمة، وما تبقى من نصوص لقانون التجمعات التي تستلزم الحصول على تراخيص مسبقة لإجراء أي مسيرات، لكن عدم حصولهم على تلك التراخيص لا يعني ضربهم وسبهم، بل يتطلب التعامل معهم وفق نصوص القانون كونهم مخالفين له، ومن يفصل في ثبوت الاتهام بحقهم من عدمه هو القاضي والمحكمة التي يعرض عليها ملف القضية، وهي أقدر بحسب الدستور والقانون في إدانة كل متهم يستحق الإدانة أو تقضي ببراءته منها، فإن قررت إدانته فلها أن تقضي عليه بالحبس والغرامة، أو أحدهما، أو تلزمه بتعهد مصحوب بكفالة.

وتلك هي عقوبات القضاء التي يقررها وفق القانون، وهو قضاء لا يعرف العقوبات التي يقررها بعض رجال الشرطة والقوات الخاصة بحق المخالفين، كالضرب والركل بالعصي والمطاعات والصراخ والسباب وتكبيل الناس وتقييد حرياتهم لساعات، وتهديدهم وإجبارهم على إطاعة الأوامر بصورة مذلة لا تليق بالإنسان في الكويت، مواطنا أو مقيما، بل إن عقوباتهم تلك تعرضهم للمساءلة الجزائية، وقد تقضي المحاكم بحبسهم وعزلهم من وظائفهم، حسبما ينص على ذلك القانون.

فالدستور والقانون لا يسمحان بالتعامل القاسي المصحوب بالتعذيب الجسدي أو الضرب أو التهديد لأي محكوم بالإعدام، فكيف يسمحان بضرب الناس وإيذائهم لمجرد أنهم خالفوا القانون؟ وهو قول إن سمح البعض بتبريره فهو كفيل بهدم كل المبادئ التي رسمها الدستور في كفالة حقوق الناس وحرياتهم، وهي من المقدسات الخاصة بالإنسان الكويتي، والتي أولاها الدستور اهتماما وعناية لا يمكن التفريط بهما لأي حدث كان.

فالقضاء في أحكامه الكثيرة أولى حمايتها اهتماما كبيرا أكثر من اهتمامه بضبط الجريمة ومحاسبة مرتكبها، إذ أكدت أحكام محكمة التمييز الكويتية في أكثر من حكم أنه «لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حقوق الناس وحرياتهم»، ما يعني أن العدالة لا يهمها أن يفلت أي متهم من توقيع العقوبة عليه، بل إن ما تحرص عليه العدالة هو ألا يتم التعدي على حقوق الناس وحرياتهم التي كفلها القانون والدستور، والعدالة ليست مهتمة إن أفلت مجرم من العقاب بقدر ما تهتم بالحفاظ على حقوقه وحرياته.