باستثناء المقدمة {الكارتونية} المُبهجة التي تُذكرك بأفلام الستينيات، التي كانت تعتمد على فن التحريك لاتساقه مع موضوعاتها الكوميدية من ناحية ووجود مبدعين كبار تخصصوا في هذا الفن أمثال: مهيب وحسيب ونوال من ناحية أخرى، لا تكاد تلمح في فيلم {توم وجيمي} لمحة إبداع تشجعك على التوقف عنده والتنويه إليه، ومن ثم الإشادة به، الأمر الذي يفجر تساؤلات عدة حول الهدف من الفيلم، وماهية الرسالة التي تبناها، ومدى نجاحه في تقديم الكوميديا التي يدعيها!

Ad

أكبر الظن أن هاني رمزي أراد تقديم تنويعة أخرى على فيلم {غبي منه فيه} لكنه أخطأ عندما تعامل مع كتاب سيناريو (محمد النبوي، سامح سر الختم وعلاء حسن) تصوروا أن الإسفاف هو السبيل إلى تفجير ضحكات الجمهور!

تحكي أحداث «توم وجيمي» أزمة «توم» أو «حاتم» (هاني رمزي) الذي يعيش في جسد شاب، لكن نموه العقلي توقف عند سن السابعة، وتتجلى غلظة الكتاب الثلاثة، ومن بعدهم المخرج أكرم فريد، في تصوير «توم» وكأنه «مسخ» أو «وحش بشري» يثير فزع ورعب الجد (جمال إسماعيل) والجدة (ثريا إبراهيم) فيترددان كثيراً قبل الإقدام على إيقاظه، ومع كل خطوة له يعيث في الشقة المتواضعة دماراً، وسرعان ما تنقلب الغلظة إلى سذاجة منقطعة النظير بالتنويه إلى أن «توم» اجتاز السنة الأولى من المرحلة الابتدائية في مدرسة «النوابغ» الابتدائية للبنين!

في هذه اللحظة تحديداً ينهار الخط الفاصل بين «الكوميديا» و{التهريج»، وتختلط الأمور، بحيث لم يعد ثمة مجال للتفكير في تقديم الكوميديا الراقية، بل انحرف الفيلم على صعيدي الشكل والمضمون، ووصل إلى درجة هائلة من الهبوط والابتذال والسطحية؛ فالمواقف الدرامية فقيرة وتعكس خيالاً كسيحاً في حين بدا المخرج أكرم فريد عاجزاً عن التعامل مع المواقف البليدة التي اتسم بها السيناريو، والتي كشفت عن قلة حيلة صارخة؛ فالفتى الطفل «توم» ينتقل للعيش في قصر المرشح الرئاسي «جمال» (حسن حسني) لمجرد أن حفيدته «جيسي» (الطفلة جنا) تريد اقتناءه، وكأنه «لعبة». وتتوالى المواقف السخيفة وثقيلة الظل، بداية من الصخب الذي واكب وصول مديرة القصر (تيتيانا) وصدامها مع الضيف الغريب، مروراً بتعرية ساقي المرشح الرئاسي في مؤتمره الصحافي، وصولاً إلى القبح والانحطاط في توظيف الأصوات التي تخرج من الفم والمؤخرة!

تبدو قلة الحيلة سمة لفيلم «توم وجيمي»، ليس على صعيد السيناريو فحسب، وإنما من جانب المخرج الذي لجأ إلى وضع حبتي ليمون في فم هاني رمزي من الداخل فما كان منه سوى أن شوه مخارج ألفاظه، وتسبب في كثير من التلوث السمعي، الذي اكتمل بزعيق وضجيج، وزاد عليه بتلوث بصري، كما في مشهد انقلاب حفلة المرشح الرئاسي رأساً على عقب، واشتعال النار في بنطال عضو العصابة بعد اختطاف «جيسي» و{توم»، فقد كشفت الرؤية الساذجة للمخرج، ومن قبله الكتاب الثلاثة للسيناريو، عن جهل صارخ، وفضح ثقافتهم السينمائية المحدودة، وإلا كانوا تعلموا واستفادوا من فيلم Baby›s Day Out ((1994 الذي عُرض تجارياً بعنوان {مواقف وطرائف طفل}. فالنقل واضح، والتشويه سافر، والركاكة متوافرة، والدقة غائبة كما في المشهد الذي يصور المرشح الرئاسي على غلاف مجلة {التايم} بينما يجري الحديث عن {النيويورك تايمز}!

غياب الأسلوبية، والارتباك الواضح للمخرج أكرم فريد، كانا سبباً في اتجاهه إلى الإفيهات السخيفة التي لا تدفع إلى الضحك، والأغاني المقحمة التي أصبحت عبئاً على الإيقاع (مونتاج مها رشدي) بينما جاءت موسيقى عمرو إسماعيل محايدة لدرجة الضجر، وبدت السياسة بمثابة محاولة يائسة للتعتيم على الخيال السقيم الذي يُطل من بين ثنايا التجربة؛ فالسياسة في نظر صانعي الفيلم فرصة للخلاص من المشاكل الدرامية للسيناريو، والحال نفسها بالنسبة إلى الحرب السمجة بين مرشح الرئاسة (حسن حسني) ومنافسه (غسان مطر) الذي لا يوفر وسيلة من دون استخدامها لإسقاط خصمه وتشويه صورته؛ فالفيلم لا يتبنى موقفاً سياسياً يدعوك إلى احترامه مهما اختلفت معه، بل يتخبط في الاتجاهات كافة بسبب انعدام الوعي السياسي!

في المقابل، حاول المخرج أكرم فريد التقليل من كم الثغرات التي توافرت للسيناريو، واعتمد لغة بصرية جميلة (كاميرا إيهاب محمد علي) وألواناً مبهجة في فيلم يُصنف بأنه للأطفال أو عائلي في أغلب الأحوال، لكن اجتهاده تعثر بفضل السيناريو المُلفق والخيال الفقير والإبداع الشحيح، ومن ثم استشرى القبح وأصبحنا حيال فيلم يدعو إلى التثاؤب!