كان العالم قد فَقَدَ الأمل في تغيير حقيقي في إيران، لكن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في هذا البلد حملت مفاجأة كبيرة، فبدل أن نشهد تكراراً لنصر عام 2009 المثير للجدل، تحدّى المرشح المصلح الرمزي، حسن روحاني، الذي دعت حملته للاعتدال في الداخل وإقامة علاقات بناءة مع العالم، كل الظروف المعاكسة وفاز بأغلبية ساحقة خلال الجولة الأولى من الانتخابات. ولا شك أن هذا رفضٌ مرحّب به لسنوات أحمدي نجاد وتحدٍّ شعبي واضح لهيمنة المحافظين على السياسة الإيرانية. ويستطيع العالم أن يستمدّ بعض الراحة من واقع أن أغلبية الإيرانيين صوتوا للانفصال عن إرث أحمدي نجاد، وأن القائد الأعلى آية الله علي خامنئي والحرس الثوري قررا عدم التدخل في نتائج الانتخابات وتكرار أزمة عام 2009.

Ad

لا شك أن هذه أخبار جيدة بالنسبة إلى السياسة الإيرانية، لكن الأهم بالنسبة إلى الغرب في الوقت الراهن مصير البرنامج النووي الإيراني. ونلاحظ اليوم تفاؤلاً حذراً بشأن تحول الدعم الشعبي للاعتدال في صناديق الاقتراع إلى تنازلات على طاولة المفاوضات. فقد بعث روحاني بإشارات واضحة خلال الحملة الرئاسية إلى أنه سيسعى، في حال انتُخب، إلى إنهاء عزلة إيران الدولية. فقال، مبدياً التحاور على المقاومة: "لا خيار آخر أمامنا غير الاعتدال". قد يكون هذا صحيحاً، إلا أننا لا نزال بعيدين كل البعد عن عقد صفقة نووية، حتى إن مفاجأة شهر يونيو هذه قد تعرقل الاستراتيجية الأميركية في التعاطي مع إيران.

لربما فاز روحاني بتفويض الشعب، إلا أن القرار النهائي بشأن البرنامج النووي لا يزال بيد خامنئي، ولا شك أن نظراء إيران في مجموعة 5+1 (الكتلة الدبلوماسية المؤلفة من الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، وألمانيا) سيسعدون برحيل المفاوض المتشدد سعيد جليلي. ولكن حتى لو تمكن روحاني من إقناع القائد الأعلى باستبدال هذا السياسي المقرّب منه ومرشحه المفضل في الانتخابات الأخيرة، من المستبعد أن يتغير موقف إيران من حقها في امتلاك برنامج نووي.

يعي الرئيس روحاني المخاطر التي تشملها المفاوضات مع مجموعة 5+1. فقد تعرض روحاني لانتقادات قوية وواسعة في إيران لأنه خان، على ما يبدو، المصالح الوطنية عام 2003، حين وقّع بصفته المفاوض النووي الإيراني على تعليق طوعي لتخصيب اليورانيوم. أراد روحاني لهذا التنازل أن يتحوّل إلى تدبير لبناء الثقة وتعزيز السعي نحو صفقة نووية أوسع. لكن أمل هذا المصلح تحول إلى هزيمة، عندما أخفقت المحادثات وسط ادعاءات عن أن إيران انتهكت البروتوكولات التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

"لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتَين"؛ لذلك من المستبعد أن يخاطر مرةً أخرى، فيُصنَّف ميالاً للغرب. لن يُغامر روحاني بتقديم التنازلات، إلا إذا حظي بضمانات كافية تؤكد له الحصول على نتائج إيجابية. يجب أن يجني الرئيس الجديد من الولايات المتحدة مكاسب تفوق ما حققه أحمدي نجاد وجليلي، علماً أن مجموعة 5+1 عرضت عليهما قطع غيار للطائرات، فضلاً عن التخفيف من العقوبات على تجارة الذهب والمعادن الثمينة خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات، لكن روحاني سيسعى وراء تخفيف حقيقي للعقوبات ووعد بالاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم.

تكمن معضلة الولايات المتحدة في أن روحاني المصلح يُعتبر دخيلاً وأقل قدرة من أحمدي نجاد على الترويج لأي تسوية مع الغرب بين أعضاء المؤسسة الإيرانية المحافظة الكثيرة الشكوك. صحيح أن التفويض الشعبي الذي فاز به خلال الانتخابات يمنحه مجالاً للمناورة، بيد أنه ليس كافياً ليحميه من ردّ الفعل الذي قد يلي أي رفض على طاولة المفاوضات. لذلك سينتظر روحاني على الأرجح إشارة تؤكد استعداد الولايات المتحدة لتقديم تنازلات حقيقية قبل أن يخاطر بالتوصل إلى تسوية.

يجب أن تدرك واشنطن أن نجاحها في حمل المجتمع الدولي على عزل إيران يعود في جزء كبير منه إلى أسلوب أحمدي نجاد العدائي، فبإنكاره المحرقة النازية، والدعوة إلى محو إسرائيل عن الخريطة، وتعمده زيادة التوتر مع الغرب، سهّل على الولايات المتحدة تصوير إيران كخطر وجودي يهدد إسرائيل والمجتمع الدولي. لكن واشنطن ستواجه على الأرجح صعوبة في تحقيق النجاح عينه بعد أن انتخبت إيران رئيساً مصلحاً رفض سلفه علناً. كذلك ستعجز الولايات المتحدة عن تهديد هذا البلد بالحرب بسهولة أو تنزل به المزيد من الآلام الاقتصادية، في حين أن نصف شعبه صوّت للتغيير الإيجابي.

منذ عام 2009، اعتمدت إدارة أوباما على العقوبات الاقتصادية المقرونة بتهديد مبطّن بالحرب كي تحمل إيران على القبول بصفقة نووية. إلا أنها لم تقدّم لطهران الكثير مقابل تخليها عن برنامجها النووي، آملةً أن تستسلم، ولكن ما من رئيس إيراني، سواء كان محافظاً أو مصلحاً، قد يقبل بهذه النتيجة أو ينجو من العاصفة الهوجاء التي ستهب عليه في الداخل، إن أقدم على خطوة مماثلة.

إذا أرادت واشنطن أن تستغل انتصار روحاني وتكسر حالة الجمود في المفاوضات النووية، فعليها أن تضع على الطاولة مبادرات رفضت حتى اليوم التفكير فيها. عليها أن تعرض على إيران تخفيف العقوبات مقابل موافقتها على مطالب الغرب. تريد الولايات المتحدة من إيران على أقل تقدير أن تقبل بمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن التحقيق الشامل في منشآتها النووية، تلتزم بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 5% كحدّ أقصى، وتصدّر مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى نسبة 20% إلى خارج البلد، لكن إيران ستطالب في المقابل بإقرار رسميّ بحقها في تخصيب اليورانيوم، ورفع سريع للعقوبات التي تشلّ مؤسساتها المالية وصادراتها من النفط. يُلام أحمدي نجاد في إيران لأنه خرب اقتصاد البلد. فقد اجتمعت الشعبوية، وسوء الإدارة، والعزلة الدولية لتدفع بالاقتصاد الإيراني نحو الحضيض، وتشير التقديرات إلى أن 40% من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر. ولا شك أن المصلحين سيزدادون قوة إن تمكنوا من الإثبات أنهم يستطيعون عكس هذا الانحدار بحمل الغرب على الموافقة على التفاوض، عارضاً للمرة الأولى رفع عقوبات محددة.

رفضت إدارة أوباما احتمال التخفيف من العقوبات لأن تصعيد الضغط الاقتصادي على إيران يلقى تأييداً واسعاً في الولايات المتحدة، في حين أن التنازل ظاهرياً لإيران مرفوض تماماً. نتيجة لذلك، يعتبر البيت الأبيض، الذي يتحكم في السياسة الأميركية تجاه إيران، التدابير الدبلوماسية الجدية في التعامل مع طهران مصدر خطر سياسي، أو مراهنة خطرة فرص نجاحها محدودة وكلفة إخفاقها كبيرة. لا يريد الرئيس أوباما مواجهة إيران، إلا أنه غير مستعد أيضاً لتحمل مخاطر السعي وراء استراتيجية دبلوماسية، مبدداً بذلك رأسماله السياسي الضروري في الكونغرس ولدى الشعب الأميركي.

لكن انتصار مرشح مصلح في إيران لا بد من أن يمنح الإدارة مجالاً أكبر للمناورة، فسيصبح الشعب الأميركي أكثر تقبلاً لمقاربات جديدة اليوم. كذلك سيحمل انتخاب روحاني الكونغرس على التوقف عن تصعيد العقوبات. لا تحتاج واشنطن إلى رفع أي عقوبات في الوقت الراهن، إلا أن استعدادها لمناقشة هذا الاحتمال مقابل الحصول على التنازلات من إيران سيشكل تغييراً كبيراً في المفاوضات النووية، لكنها إن أخفقت في ذلك، فسيبقى الجمود النووي على حاله وتضيع فرصة انتخاب هذا المرشح المصلح. إذن، الكرة اليوم في ملعب واشنطن.

Vali Nasr