الرومنطيقية في الشعر العربي المعاصر... مؤصلة في التاريخ

نشر في 23-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 23-07-2013 | 00:01
No Image Caption
صدر حديثاً عن شركة «المطبوعات للتوزيع والنشر» كتاب {الرومنطيقية في الشعر العربي المعاصر... من معلقة «امرؤ القيس» إلى الأندلس إلى رواد النهضة}، للباحث والمفكر اللبناني فيكتور غريّب.
يفاجئ كتاب {الرومنطيقية في الشعر العربي المعاصر} النقاد في الغرب والشرق، ويدحض مقولة سادت لعقود وهي أن الرومنطيقية في الشعر العربي المعاصر، استيراد غربي. ويؤكد في المقابل أنها مؤصلة في التراث وفي إبداعات الشعراء العرب الخالدين. كذلك يشير إلى أن كل إيحاءات تصدر عن أي كاتب مهما يكن انتماؤه، إنما هي باطلة ومحض افتراء.

لتوثيق ذلك، يعمد الدكتور غريّب إلى اختيار 610 أبيات من آلاف الأبيات المنشورة في دواوين الشعر العربي، لمختلف شعراء العربية بدءاً بمعلقة امرئ القيس مروراً بالشعر الأندلسي، ووصولاً إلى روّاد النهضة العربية، وما أتحفنا به كل من جبران خليل جبران وخليل مطران وأبو القاسم الشابي وإلياس أبو شبكة وابراهيم ناجي.  ويوضح أن ذاك الكم الهائل من القصائد هو وحده كفيل بإبطال الادعاءات المزيفة. ويجيء الكتاب الموثق شاهداً على الإبداع الذي تميز به شعراؤنا الكبار، والذي تماهى في نتاج زاخر بالفن والتجدد والأصالة.

من خلال بحثه، يجد فيكتور غريّب عناصر رومنطيقية في الشعر العربي القديم، وقد وجد أيضاً محاور رومنطيقية مثل: شعر الطبيعة وشعر الحب وشعر الحنين وصولاً إلى شعر القلق والتمرد. وهذا المحور الأخير من الشعر الذي انطلق بعد المعاناة الطويلة التي عاشتها الشعوب العربية في ظل تجاهل الحكام لأوضاعها البائسة، وهذه المحاور هي في حد ذاتها، تشكل العناصر الرئيسة التي تمثل في الأعماق، {الثورة} الرومنطيقية في العالم.

يلفت غريّب إلى أن الرومنطيقية العربية، لم تشهد حقبة محددة ضمن أطر صارمة، في ما يسمى بمرحلة {ما قبل الرومنطيقية». إنما برزت عوامل ساعدت في تشكيل هذا النوع الرومنطيقي الجديد. هذه العوامل هي: العنصر السياسي، العنصر الاجتماعي، والشعور الوطني. فالبلدان العربية مرت في حقبات صعبة، على غرار البلدان الغربية، إن في القطاع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. وقد واجه العرب البؤس والجوع، كذلك الهزات والانقلابات السياسية التي سبقت، كما والتي تبعت الحرب العالمية الأولى.

سيرة شخصية

يشير المؤلف إلى أن الرومنطيقيين العرب، غنوا حبهم، وقد أضحى شعرهم نوعاً من السيرة الشخصية المغلفة بالصدق والإحساس العميق. وقد وجدوا في الطبيعة أيضاً، مسلكاً للهروب، وبأن الخلاص الأوحد، هو في الطبيعة فقط. وإنهم، مثل الرومنطيقيين الأوروبيين، أعطوا المعنى الفلسفي للطبيعة. فكان {الغاب} مع الشعراء  المهجريين، رمزاً للإنسان الهارب، من ضجيج الحياة ومن عالم الإنسان الباطل والظالم. كذلك الطبيعة هي محور حيوي، فهي أغنت خيال الشعراء، فالشعراء الرومنطيقيون العرب عظموا الألم، حتى أصبح يشكل جزءاً متمماً في حياتهم، كما فعل  الغربيون. هذا {العنصر- المحور} هو ما أعطى للشعر العربي الشكل الغنائي، المفعم بالموسيقى، لتصبح، إذ ذاك الصور، أكثر تنوعاً وحيوية. وهكذا ينضم الشعراء الرومنطيقيون، إلى ما يقوله الكاتب الفرنسي نوديه: «إن المثال الأولى للرومنطيقي، ليس الكمال في طبيعتنا الإنسانية، إنما في شقائنا}.

من خلال الكم الهائل من الأبيات الشعرية التي تناولها غريّب في بحثه، توصل إلى أن الرومنطيقيين العرب والأوروبيين قد تلاقوا في جميع المحاور الشعرية التي تجسد المنحى الرومنطيقي في الأدب العالمي وهي: في الغنائية الشعرية والخيال والحنين والحب والألم والإحساس بالطبيعة والأحلام، وفي موقف الإنسان من الحياة، في التجارب كما في العواقب، فكل هذه المواقف قد أحسها ووصفها الشعراء في الشرق كما في الغرب. حتى ولو كان عدد من هذه المحاور، قد أخذ عند البعض، أكثر منالاً ومساحة من البعض الآخر. على سبيل المثال، الحنين عند الشعراء الرومنطيقيين العرب وعلى الأخص شعراء المهجر، أخذ عند هؤلاء اهتماماً وأعمق وصفاً من الرومنطيقيين الأوروبيين، بينما شعر الحب عند الأوروبيين كان أكثر إنتاجاً وأفضل أداءً.

أما في ما يتعلق في محور الطبيعة، وهو محور الرومنطيقية الأساس، فكان للشعراء العرب في الحقبات المتعددة من تاريخهم أن أعطوا الطبيعة المساحات الأوفر في الدواوين. وكان بالتالي لشعراء الأندلس العطاء القيم والسخي في التغني في طبيعة الأندلس ومناظرها الخلابة مع الاخضرار والزهور.

سبات طويل

يلفت الكاتب إلى أن الحركة الرومنطيقية العربية، تأتي بعد سبات طويل وعميق للشعوب العربية بين القرن السابع عشر وبين القرن التاسع عشر، حيث كانت هذه الشعوب تعيش في المصائب والنكاب في المجالات كافة من سياسية واقتصادية واجتماعية. وفي هذه الحال من البؤس والضياع التام لعنصر الحرية، كانت القصيدة العربية تعاني الجفاف في المشاعر كما في الخيال. إن آفاقاً جديدة، تفتح أمام الشعراء والكتاب العرب، عندما انطلقت في بداية القرن التاسع عشر، عوامل أساسية جاءت لتحضر حركة التجدد في الأدب العربي تحت اسم النهضة. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فهو عناد الشعراء في رفض الواقع في كافة مندرجاته والعمل في سبيل تغيير المسار المرتبط أولاً، بالمنهجية المستبدة في عمل الحكام، وثانياً بالقيود في تكبل الشعراء في التصرف بحرية والضغوط التي تمارس في سبيل الإبقاء على سلامة المقاييس {الخليلية} إن في القصيدة أو في الموازين الشعرية.

يتابع غريّب أن العصيان، الذي حصل، ضد المفاهيم الكلاسيكية القديمة وفي الأدب عموماً كان بإدارة الشعراء والكتاب اللبنانيين في المهجر وكان لكتابات نعيمة ولقصائد جبران ورفاقهما في المهجر الخبر اليقين. وقد قام الشعراء والكتاب في مصر في حركة أعطت لعلمية التجديد دفعاً إضافياً. وكانت المتابعة المميزة والضاغطة عند {جماعة الديوان} وبعدها {جماعة أوبولو». كذلك برز في سورية بعض المجددين مثل الزركلي والجابري وحد البزم. ساهمت هذه التطورات كافة في تحضير الساحة الملائمة في سبيل ولوج الشعراء العرب ساحات التجدد والحداثة. فقدموا في الحركة الرومنطيقية إنتاجاً جديداً يشمل الشكل والمضمون معاً، وعنوانه «الصدق والشفافية}. إنه شعر مفعم بالألوان وبالغنائية المنشودة، كما بالتوجهات العصرية الجديدة في الحرية وفي مقاربة الإنسان.

back to top