تبدي قيادات سياسية واسعة الاطلاع اعتقادها بأن الاجتماعات واللقاءات والمواقف التي يشهدها لبنان في شأن قانون الانتخاب لن تؤتي ثمارها قبل اتضاح صورة ما تشهده أكثر من عاصمة عربية ودولية من اتصالات ومشاورات في شأن «سلة سياسية متكاملة» من شأنها أن تسير الحياة السياسية في لبنان في المرحلة المقبلة.

Ad

وتلفت هذه القيادات الى أن استقبال المملكة العربية السعودية للرئيس نجيب ميقاتي ليس من قبيل المصادفة بعد طول انقطاع، ولا هو من باب التنازل السعودي والتراجع في موقف المملكة ونظرتها الى الوضع اللبناني، ولكنه جزء من تحركات تشارك فيها فرنسا وغيرها من الدول من أجل التوصل الى صفقة سياسية جديدة تنتج معادلة للسلطة للسنتين المقبلتين على الأقل.

وتأتي استقبالات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لبعض القيادات اللبنانية، لاسيما الرئيس أمين الجميل والنائب وليد جنبلاط الذي اجتمع أيضا مع الرئيس سعد الحريري الموجود في باريس، في إطار عملية ترتيب للمعادلة اللبنانية الجديدة تمهيدا لترجمتها من خلال الانتخابات النيابية المقبلة وما يليها من حكومة جديدة وصولا الى الانتخابات الرئاسية المنتظرة في ربيع الـ 2014.

وبحسب المعلومات الواردة من الرياض وباريس وواشنطن والدوحة الى المراجع اللبنانية الرسمية والسياسية المعنية فإن المخارج لأزمة قانون الانتخاب تنتظر نضج طبخة التسوية التي يجري العمل عليها، وهي تقوم على ضرورة إعادة إحياء التوازن على الساحة اللبنانية بعدما اختل هذا التوازن بفعل إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري قبل نحو سنتين.

وتقضي التسوية التي يتم العمل عليها بأن تكرس الانتخابات النيابية المقبلة توازنات جديدة لا تسمح لأي من فريقي «14 آذار» و»8 آذار» بتحقيق انتصار سياسي على خصمه، وبإيجاد أدوات شراكة سياسية جديدة بين اللبنانيين تسير الوضع اللبناني في الفترة المقبلة. فيعود تيار المستقبل بصفته الممثل الاساسي للطائفة السنية الى معادلة السلطة التنفيذية في لبنان بما يعيد التوازن بين «شرعية المؤسسات» والقدرة الميدانية لحزب الله على الإمساك بالأرض، ويحول دون إمساك حزب الله دستوريا بالمؤسسات والأرض معاً.

وتؤكد المعلومات أن البحث الحقيقي يتم في الخارج ليس في شأن قانون الانتخاب وإنما حول تركيبة حكومة ما بعد الانتخابات. وإذا نجحت الاتصالات والمفاوضات في التوصل الى صيغة من هذا النوع لتركيبة حكومة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، فسيتم تخريج قانون انتخابي يؤدي الى النتائج التي تم الاتفاق عليها على نحو يشعر الجميع بأنه ربح، ولا يحرج أحدا تجاه جمهوره. على أن الخطة التنفيذية التي يتم التداول بتفاصيلها تقضي بالآتي:

1- قانون انتخاب لا يحقق لأي من الفريقين فوزا على الآخر.

2- حفظ ماء وجه الرئيس ميقاتي بحيث يستقيل إفساحا في المجال امام حكومة انتخابات من غير المرشحين على أن يترشح للانتخابات من دون أن يشكل الحكومة المقبلة إذا فاز مستفيدا من النظام النسبي المقترح على نسبة معينة من المقاعد النيابية.

3- تشكيل حكومة يكون فيها لتيار المستقبل القدرة على تحقيق الحد الأدنى من التوازن مع «حزب الله».

4- محاولة مسيحيي «14 آذار» تشكيل التوازن الذي يطمحون اليه مع مسيحيي «8 آذار»، ولا سيما النائب ميشال عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

5- بما أن أيا من الفريقين الاساسيين لن تكون له الأكثرية التي تسمح له منفرداً بانتخاب رئيس للجمهورية من صفوفه فإن الطريق الى رئيس توافقي مقبل للجمهورية تكون قد فتحت.

وتخلص المعلومات الى أن عدم التوصل الى توافق في شأن مثل هذه الصيغة سوف يعني دخول لبنان في مرحلة جديدة من مراحل التأزيم وصولا الى خطر جدي من فراغ في السلطة التشريعية مع انتهاء ولاية المجلس الحالي مع ما يستتبع ذلك من وضع حكومي مشلول، وهو ما تحذر منه «قوى 14 آذار» التي تتهم «حزب الله» وحلفاءه بالسعي الى مثل هذا الفراغ المؤسساتي بما يسمح للحزب بالحديث عن مشكلة نظام لا عن صراع سياسي، وبالتالي يبرر دعوته الى مؤتمر تأسيسي يصار في خلاله الى البحث في الأسس والتوازنات الطائفية والمذهبية والسياسية التي يقوم عليها النظام اللبناني بحسب اتفاق الطائف. في حين أن القبول بها يسمح بالدخول في مرحلة جديدة من الحد الأدنى من الاستقرار السياسي مع احتفاظ كل من الفريقين بأوراقه في حال بروز تغيرات إقليمية تسمح له بتعديل في موازين القوى. فإذا نجح الرئيس السوري بشار الأسد في استعادة زمام المبادرة الحقيقية وأعاد الإمساك بالوضع السوري يكرر «حزب الله» ما سبق أن قام به مع اسقاط حكومة الرئيس الحريري. أما إذا سقط الرئيس السوري بشار الأسد فسيكون بإمكان «قوى 14 آذار» تحسين شروط تعاطيها مع «حزب الله» وحلفائه.