قبل أن تندلع الموجة الأخيرة من الاضطرابات في الأسواق المالية، كانت مجموعة متنوعة من الأصول الخطرة (بما في ذلك الأسهم، والسندات الحكومية، والسلع الأساسية) في ارتفاع متواصل منذ الصيف الماضي، ولكن في حين كانت مستويات تجنب المجازفة والتقلب في انخفاض وكانت أسعار الأصول في ارتفاع، فإن النمو الاقتصادي ظل بطيئاً في أنحاء العالم المختلفة. والآن ربما بدأت دجاجات الاقتصاد العالمي تعود إلى مجاثمها.

Ad

كانت اليابان، التي تكافح في محاولة لإنهاء عقدين من الركود والانكماش، مضطرة إلى اللجوء إلى سياسات شينزو آبي الاقتصادية (آبينوميكس) في محاولة لتجنب الركود لخامس مرة. وتظل أغلب بلدان منطقة اليورو غارقة في حالة من الركود الشديد- التي امتدت الآن من الدول الواقعة على أطراف المنطقة إلى قلبها. وحتى في الولايات المتحدة، ظل الأداء الاقتصادي متواضعاً، حيث تأرجح النمو حول مستوى 1.5% طيلة الأرباع القليلة الماضية.

والآن أثبتت قرة عين الاقتصاد العالمي، الأسواق الناشئة، عجزها عن عكس التباطؤ لديها. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين تباطأ من 10% في عام 2010 إلى 8%، وخلال نفس الفترة، تباطأ معدل النمو في الهند من 11.2% إلى 5.7%. ويبلغ معدل النمو في روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا نحو 3%، ولم تسلم بقية الأسواق الناشئة من التباطؤ. ومن الممكن تفسير الفجوة بين وول ستريت ومين ستريت (ارتفاع أسعار الأصول، على الرغم من الأداء الاقتصادي الذي كان أسوأ من المتوقع) في ضوء ثلاثة عوامل. الأول أن المخاطر الضئيلة الاحتمال ولكن الشديدة التأثير في الاقتصاد العالمي- مثل تفكك منطقة اليورو، أو انزلاق الولايات المتحدة إلى الهاوية المالية، أو الهبوط الاقتصادي الحاد في الصين، أو نشوب حرب بين إسرائيل وإيران بشأن الانتشار النووي- أصبحت احتمالاتها الآن أقل مما كانت عليه قبل عام.

والثاني أن الأسواق المالية برغم كون النمو مخيباً للآمال في الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء، ظلت متفائلة بخروج بيانات اقتصادية أفضل في النصف الثاني من عام 2013 ثم عام 2014، خصوصاً في الولايات المتحدة، واليابان، مع توقف انحدار المملكة المتحدة وبلدان منطقة اليورو، واستعادة أغلب الأسواق الناشئة لعافيتها. ويكرر المتفائلون لازمة "هذا العام مختلف": فبعد فترة مطولة من عمليات تقليص المديونيات المؤلمة، يفترض أن يكون الاقتصاد العالمي على أعتاب فترة من النمو الأقوى.

وثالثاً، في استجابة لتباطؤ النمو وانخفاض التضخم (والذي يرجع جزئياً إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية)، تبنت البنوك المركزية الكبرى على مستوى العالم جولة أخرى من تدابير التيسير النقدي غير التقليدية: خفض أسعار الفائدة، والتوجيه المعزز، والتيسير الكمي، والتيسير الائتماني. وعلى نحو مماثل، كانت استجابة العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة في مواجهة تباطؤ النمو وانخفاض التضخم بخفض أسعار الفائدة الرسمية.

كانت هذه الموجة الهائلة من السيولة الباحثة عن العائد سبباً في تغذية حالة مؤقتة من انتعاش أسعار الأصول في أنحاء العالم المختلفة. ولكن انتعاش الأصول المدفوع بالسيولة كان محاطاً بخطرين. فأولاً، إذا لم يتعاف النمو على الجانب الإيجابي (حيث تصبح أسعار الأصول المرتفعة مبررة)، فإن النمو البطيء سيهين في نهاية المطاف التأثيرات الرافعة للسيولة ويرغم أسعار الأصول على الهبوط، بما يتماشى مع الأسس الاقتصادية الأضعف. وثانياً، كان من المحتمل أن توقف بعض البنوك المركزية- مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي على وجه التحديد- مددها بالخروج من التيسير الكمي وأسعار الفائدة الرسمية القريبة من الصفر.

ويعيدنا هذا إلى الاضطرابات الأخيرة في الأسواق المالية. كان من الواضح بالفعل في الربعين الأول والثاني من هذا العام أن النمو في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة آخذ في التباطؤ. وهذا يفسر ضعف أداء السلع الأساسية وأسهم الأسواق الناشئة حتى قبل الاضطرابات الأخيرة. ولكن الإشارات التي أطلقها بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي أخيراً عن احتمالات خروج مبكر من التيسير الكمي- جنباً إلى جنب مع أدلة أقوى تشير إلى تباطؤ الصين وفشل البنوك المركزية في الصين واليابان وأوروبا في توفير التيسير الكمي الإضافية الذي توقعه المستثمرون- كانت بمنزلة ضربة إضافية موجهة إلى الأسواق الناشئة.

لقد وجدت هذه البلدان نفسها عند الطرف المتلقي، ليس فقط لعملية تصحيح أسعار السلع الأساسية والأسهم، بل أيضاً لعملية إعادة تسعير وحشية للعملات ولأصول الدخل الثابت سواء بالعملات المحلية أو الأجنبية. ويبدو أن البرازيل وغيرها من الدول التي اشتكت من تدفقات "الأموال الساخنة" عليها و"حروب العملة" نالت الآن وبشكل مفاجئ ما كانت تتمناه: نهاية مبكرة مرجحة للتيسير الكمي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. ولم تكن العواقب جميلة- الانعكاس الحاد لمسار تدفقات رأس المال الذي يضرب الآن كل الأصول الخطرة في الأسواق الناشئة.

وسواء كان التصحيح في أسعار الأصول الخطرة مؤقتاً أو بداية لسوق هابطة فإن الأمر سيتوقف على عدة عوامل. أحدها هو ما إذا كان بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي قد يخرج حقاً من التيسير الكمي بالسرعة التي أشار إليها. هناك في واقع الأمر احتمالات قوية أن يكون ضعف النمو وانخفاض التضخم في الولايات المتحدة سبباً في إرغامها على إبطاء سرعة انسحابها من دعم السيولة.

وثمة متغير آخر يتلخص في مدى يسر السياسات النقدية في الدول المتقدمة الأخرى في الفترة المقبلة. فقد بدأ بنك اليابان، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنكلترا، والبنك الوطني السويسري بالفعل في تخفيف السياسات مع تخلف نمو اقتصاداتها عن اقتصاد الولايات المتحدة. وقد يتأثر المدى الذي قد تذهب إليه هذه البنوك المركزية جزئياً بالظروف المحلية وجزئياً بالمدى الذي قد يبلغه ضعف النمو في الصين في تعظيم مخاطر الجانب السلبي في الاقتصادات الآسيوية، والدول المصدرة للسلع الأساسية، والولايات المتحدة ومنطقة اليورو. وأي تباطؤ إضافي في الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة سيشكل خطراً آخر يهدد الأسواق المالية.

ثم هناك التساؤل حول الكيفية التي قد يستجيب بها صناع السياسات في الأسواق الناشئة لهذه الاضطرابات: فهل يقررون رفع أسعار الفائدة لوقف خفض القيمة التضخمي وتدفقات رأس المال إلى الخارج، أم أنهم قد يخفضون أسعار الفائدة من أجل تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي الهزيل، فيزيدون بالتالي من خطر التضخم والانعكاس المفاجئ لمسار تدفق رأس المال؟

يتبقى لدينا عاملان أخيران: أولاً، متى تصل اقتصادات منطقة اليورو إلى أدنى نقطة من الانحدار (ظهرت أخيراً بعض علامات الاستقرار، ولكن المشاكل المزمنة التي يعانيها الاتحاد النقدي تظل بلا حل). وثانياً، ما إذا كانت التوترات في الشرق الأوسط وتهديدات الانتشار النووي في المنطقة- والاستجابة لهذا التهديدات من قِبَل الولايات المتحدة وإسرائيل- قد تتصاعد أو يتم احتواؤها بنجاح.

لقد بدأت فترة جديدة من عدم اليقين والتقلبات، ويبدو أنه من المرجح أن تؤدي هذه الفترة إلى اقتصادات وأسواق متقلبة، بل إن دورة أوسع نطاقاً من الحد من المجازفة في الأسواق المالية قد تكون قريبة للغاية.

* نورييل روبيني | Nouriel Roubini ، رئيس "مؤسسة روبيني للاقتصاد العالمي"، وأستاذ علوم الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»