في فقه الثورة وبدائية الانقلاب
![أ.د. غانم النجار](https://www.aljarida.com/uploads/authors/30_1682522974.jpg)
• من المفارقات أن مصطلح "الانقلاب" في الأدبيات السياسية هو مصطلح فرنسي، تم إطلاقه على انقلاب بونابرت في نوفمبر ١٧٩٩ أو الـ"١٨ برومير"، وكان المحطة الثانية من الثورة الفرنسية، اختلف حوله المنظّرون الذين عايشوه، وحول مدى علاقته بالثورة، فيكتور هيغو رآه على أنه تصرف وسلوك عنيف من شخص واحد، بينما رأى برودون الانقلاب في سياق تطور تاريخي، أما كارل ماركس فرآه على أساس الصراع الطبقي الذي قلل من أهمية وجود أبطال، وفي نهاية الأمر ظهرت للوجود الثورة الفرنسية، التي لا يختلف اليوم أحد على وصفها بالثورة. • الثورة قد تبدأ في زمن معلوم وقد لا تنتهي في زمن محدد، بل تتراكم تجلياتها عبر الزمن، وربما تتجدد، وربما تنتكس، وربما تتم سرقتها، وربما ينحرف فيها من دعا إليها، وربما يسعى المتضررون منها إلى العودة للحياة باسمها، ولكنها تستمر وتتجدد مادامت مبرراتها ودوافعها قائمة. • في زمن مضى، كانت الثورات انقلابات، ربما أغلبها. يحدث انقلاب عسكري، يسمونه ثورة، لأن "سمعة" الانقلاب سيئة و"سمعة" الثورة جيدة، وقد يرفع العسكر شعاراً وطنياً كمقاومة الاستعمار، أو الانحياز إلى الجماهير، أو مكافحة الفساد، لتبرير انقلابهم، ثم يقومون بفرض هيمنتهم على مفاصل المجتمع و"يهندسونه سياسياً"، وبقدر ما يبقون في السلطة فإن انقلابهم يصبح بالتدريج ثورة، أما إن ذهبوا مع الريح، أو خلعهم انقلاب آخر، فإن ثورتهم تلك تصبح "حكماً بائداً" وقيادتهم "طغمة فاشية"، ورئيسهم خائناً، بعد أن كان تاجاً على الرؤوس. • في زمن مضى كانت الثورة أو الانقلاب أو الحكم يتحدد بمن يصحو باكراً، فكم من حاكم أوقظ من نومه والسلاح على رأسه، ليعلَّق ذلك الرأس لاحقاً على المشنقة، وقد يتدحرج إلى الشارع فيركله الصبية، تيمناً بالبطل الجديد القادم، بعد أن كان ذلك الرأس مصدراً للحكمة ورمزاً للدولة. وللحديث بقية...