يوسف عبدلكي من مواليد القامشلي شرق البلاد في عام 1951، كان {من أوائل الفنانين السوريين الذين عبّروا في شكل صريح عن تضامنهم مع الحراك الثوري في سورية}، مشدداً على {أهميّة بقاء الحراك سلميّاً وعلى رفض العسكرة}.

Ad

الآن، في هذه المرحلة، سيقال الكثير من الكلام حول حرية يوسف عبدلكي ومواقفه السلمية ورسوماته الإبداعية، لكن النظام الذي يقصف شعبه بالطائرات والراجمات والصواريخ لا يعنيه أي كلام وأي معنى وأي ثقافة. نظام تعسفي بامتياز لا يميز الأشياء ولا القيم، يتهم المعارضين المقيمين في الخارج بـ{المتآمرين والعملاء» ويهددهم بالويل والثبور ويدعو إلى معارضة وطنية في الداخل، لكنه في الواقع لا يتردد في اعتقال كل من يحلو له في الداخل من أركان المعارضة الداخلية سواء كان فناناً أو ممثلاً أو أديباً أو مواطناً عادياً. وقبل ستة أشهر اعتقلت سلطات نظام الأسد الدكتور عبد العزيز الخيِّر القيادي العلوي البارز في «حزب العمل الشيوعي» والعضو في «هيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديمقراطي»، مع رفيقيه إياس عيّاش وماهر طحّان، في طريقه إلى دمشق بعد وصوله قادماً من زيارة إلى الصين.

ولم تفلح مقالات اليساريين المقربين من الأسد أو نظامه في الإفراج عن هؤلاء المعارضين، والآن تحدثت وسائل الإعلام قبل أيام عن وفاة المعارض عبد العزيز الخيّر، ومصيره حتى الآن ما زال مجهولاً. المعارض عمر عزيز أيضاً مات في السجن، ونسبت وكالة الأنباء الألمانية لناشطين القول إن الشاعر وطبيب الأسنان إياد شاهين قضى في سجون أحد الأفرع الأمنية بعد مرور نحو 48 ساعة على اعتقاله. وثمة عشرات المعارضين من الرافضين للعنف وعسكرة النزاع تم اعتقالهم وآخرهم الفنان يوسف عبدلكي. ربما لم يحتمل النظام أن يرسم عبدلكي بالفحم، ولم يحتمل تعابيره ورسومه الكاريكاتورية، ولا يحتمل أي شيء من حوله.

سورية الحضارة

يوسف عبدلكي واحد من مئات الوجوه الثقافية التي تصنع وجه سورية الحضاري لا العنفي والدموي، وهو كان هاجر في أوائل الثمانينيات إلى فرنسا التي بقي فيها قرابة ربع قرن ليعود إلى سورية عام 2005، بعدما رفض خلال وجوده في فرنسا الحصول على جنسيتها. ويعتبر أحد أبرز النحاتين والفنانين السوريين وفناني الغرافيك وتصميم الملصقات والأغلفة والشعارات، كذلك يعدّ من الفنانين المهمين في مجال الكاريكاتور، وصدرت له دراسات عدة في الكاريكاتور العربي.

بدأ عبدلكي عمله في الكاريكاتور منذ عام 1966، وكان ذلك بتشجيع من والده الذي أحب العمل السياسي. كذلك رسم للأطفال في كتبهم ومجلاتهم وشارك في عدة تظاهرات للرسوم الكاريكاتورية.

ينتقي عبدلكي موضوعاته من الطبيعة والحياة اليومية. مفردات قليلة يرسمها بدقة وموضوعية، يسلّط عليها الضوء ويقدمها بعناية صانع ماهر. إنها أجسام وأشكال هامشية وعابرة، إن لم تكن ميتة وتالفة لكنها كثيفة التعابير والمعاني وتسحر الناظر اليها، وتحرك عقله ومشاعره وتولد لديه فضوله الاهتمام بالأشياء الهامشية التي جعلها فن عبدلكي في المتن، سواء من خلال رسمه المسمار أو الحذاء أو الوردة أو السمكة أو البطيخة، أشياء كثيرة نهملها ولكن مهارة الفنان جعلت لها رونقها ومسرحها على خشبة اللوحة. ولعل أبرز ما قدمه في السنوات الأخيرة من خلال اهتمامه بالواقع السوري الراهن، صورة رجل أصابته رصاصة قناص وسال دمه، هي صورة عما آلت إليه الحرب السورية، صورة تعكس مع ما يقوم به النظام الشمولي.

فن يوسف عبدلكي يتميز بالاختزال والتطرق إلى الأشياء الجامدة التي يتخذها كأقنعة وكمدخل للتعبير عن احتجاجه وتمرده وعاطفته داخل إطار من سكون ظاهري.

لم يحصل عبدلكي خلال السنتين الماضيتين على جواز سفر سوري، ومنعته السلطات من مغادرة البلاد، فأمضى معظم وقته يرسم وينحت أعمالاً فنّية عن الثورة السورية. وكان من بين الموقّعين على بيان صدر قبل أيام، تضمن تمسكاً بـ {مبادئ الثورة} التي خرج السوريون لأجلها في بداية 2011، وشدد على أهمية {استقلالية القرار} السوري واستنكر زج سورية {في صراعات إقليمية}.

ولوحاته منتشرة في كثير من المعارض والمتاحف الدولية. وأعماله، سواء كانت حفراً على المعدن أو رسماً بالفحم على الورق، قليلٌ يُراد به الكثير. مفردات محدودة، وألوان تقتصر على الأبيض والأسود؛ صور درامية تكتنـز بالأسئلة.