مبروك أنقذنا لبنان... ودُمرت الشام!
بعد أن استمعت إلى مقررات اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الأخير، الذي تداولوا فيه الشأن السوري والمجازر التي تحدث هناك، تذكرت المقطع التقليدي في الأفلام العربية عندما يخرج الطبيب من غرفة العمليات ليقول لأهل المريضة: "الحمد لله أنقذنا الجنين... لكن الأم ماتت"، وهذا ما ورد في مخيلتي عندئذ، فوزراء الخارجية الخليجيون بقراراتهم حول حزب الله، وضرورة تجنيب لبنان المخاطر، كأنهم يقولون: "مبروك أنقذنا لبنان... لكن دُمرت الشام"!فماذا يعني وضع حزب الله على لائحة الإرهاب الخليجية -علماً أنه لا يوجد في قرارهم نص صريح ومباشر بهذا المعنى- وزعيم حزب الله حسن نصرالله في خطابه الأخير يقول لكل العالم: "بلوا ورقة لائحة الإرهاب بالماء واشربوها...؟"، وماذا يعني أيضاً ملاحقة مصالح حزب الله في دول الخليج؟ وأنتم تعلمون تماماً أنه لا يوجد له أي مصالح مؤثرة لدينا، وأن تمويله يأتي خالصاً من إيران، وسفارات لبنان الرسمية تمثل مصالحه عبر سيطرته (حزب الله) وحركة أمل على وزارة الخارجية اللبنانية، إذن لماذا هذا الأسلوب الضعيف الواضح الذي تقرأه طهران وحزب الله على أنه خوف وتردد ومسرحية سياسية لا يعنيها الخليجيون جدياً، خاصة النص الركيك في بيانهم الذي يقول إن حزب الله كشف عن وجهه الحقيقي! وهو ما ينم عن ضعف ست دول على اكتشاف ماهية وأهداف تنظيم سياسي في دولة صغيرة لسنوات طويلة.
الخليجيون مصممون على حماية لبنان، رغم أن من يمسكون زمام المبادرة والحكم الفعلي فيه هم حزب الله وحلفاؤه، وهم يعلنون أن الحدود قد سقطت بين لبنان وسورية، وتقرير الاستخبارات الألمانية المهم الأخير يقول إن الجيش اللبناني والسلطات الرسمية تحمي خطوط الإمداد الحيوية بالوقود من مصفاة الزهراني في عمق لبنان حتى عمق سورية، لتمد جيش النظام ومسانديه بالحياة، كما أنها تسهل وتحمي قوافل مقاتلي وعتاد ميليشيات حزب الله المتجهة لمقاتلة وتدمير شعب سورية ومقدراته، هذا ما يفعله لبنان الرسمي من دور مدمر، فماذا أنتم فاعلون يا عرب، وتحديداً يا خليجيون بعد أن أصبحنا في المشرق العربي في عين العاصفة والخطر، وانزوت مصر؛ الدولة العربية الكبرى بسبب مشاكلها في إقليمها ومناورات وتقرب حكامها الجدد مع إيران؟ لا أعلم ما سر لبنان الباتع لدى الخليجيين بصفة خاصة؟ لبنان تلك الدولة المستحدثة التي استطاع بعض إعلامييها إقناع بعض الخليجيين المتهافتين بأن العالم يدور في فلكه، هو ركن أساسي من المشكلة، وهو الذي انتقلت منه عدوى التقسيم والعمل السياسي الطائفي، الذي يطبق نموذجه على طريقة "قص ولصق" في العراق حالياً، ولبنان هو مبتكر الجدل السياسي الطائفي المدمر.أتساءل مرة أخرى عن سر منحه تلك الحصانة؟ ولماذا لا تتخذ ضده إجراءات ليتحمل شعبه مسؤولية ما يتسبب فيه كبلد لجيرانه؟ ولماذا لم يوجه الوزراء الخليجيون العقوبات للدولة اللبنانية مباشرة؟ أم ان استثمارات وسط بيروت أهم من سورية؛ مستودع رجال حماية الشرق العربي، وهل حياة الأطفال السوريين الذين يذبحون بالسكاكين أرخص من فلل الخليجيين في بحمدون وحمانا؟! أم ان شرف فتيات سورية اللاتي يغتصبن من شبيحة النظام لا يعني شيئاً مقابل أن يتمتع بيروتي بأرجيلته المسائية، و"يكسدر" في الحمراء، بينما مواطنه يخرج وعتاده إلى جانبه من الضاحية الجنوبية ليقصف القصير السورية!مرة أخرى أعيدها، إن سلوك الخليجيين باتباع خُطى واشنطن والأوروبيين في ما يفعلونه في سورية سيجعلنا نكرر مأساة فلسطين، وما حدث مؤخراً في العراق من تمكين إيران منه. إن المطلوب أن نتحرك بجدية فأمن المشرق العربي أصبح في خطر، وسيتم عزلنا بعد ذلك كخليجيين والتعامل معنا بعد تقسيم سورية، وعند ذاك لن يفيد الخليجيين لبنان الذي سيتخلص منه الإيرانيون والأميركيون والإسرائيليون والأوروبيون والروس ضمن رسم الدويلات الطائفية الجديدة وبعد انتهاء مهمته ووظيفته التي أنشئ من أجلها.