يمكن اعتبار غاليري {أيام} الأكثر نشاطاً راهناً في مجال التشكيل. تتوزع أعمالها بين السعودية والإمارات وبريطانيا ولبنان، وتختار أبرز الأسماء التشكيلية والفنية في العالم العربي والإيراني. هي فسحة حقيقية ومساحة لتلاقي الألوان والصور والتعابير والمفاهيم، تجد فيها الاحتراف بامتياز والاكتشاف أيضاً.

Ad

في جديدها، تعرض {أيام} للسعودي فيصل سمرة الذي يعود إلى بلاده للمرة الأولى بعد 13 عاماً، حيث سيقدم مجموعة من الأعمال التي تتضمن اثنتين من اللوحات الثلاثية الجديدة، إضافة إلى {الربيع العربي} وهو عمل تركيبي جديد ومهم يعكس الأحداث السياسية الأخيرة في العالم العربي.

سمرة الذي شكل عام 1968 مرحلة مفصلية في حياته، لاكتشافه آنذاك عمل مايكل أنجلو وانصعاقه أمام خطه الحر ودقة تنفيذه للأجساد بالتواءاتها وتداخلها، وقدرته على بثّ الحياة فيها. وانغمس لاحقاً في تقنية الفيديو التي تشكّل في نظره الوسيط الأفضل لإظهار تحوّل الأشياء والأشكال. ويعتبر أحد أوائل الفنانين الممارسين للفن المفاهيمي في السعودية، وأحد الفنانين الخليجيين الأكثر تأثيراً في مجاله اليوم. وبعدما انفصل عن الفن التقليدي في وقت مبكر من سيرته الفنية، راح الفنان يعمل بشكل رئيس بالفيديو، والعمل التركيبي والتصوير الفوتوغرافي. وقد تحدث سمرة في الماضي عن {تذويب الحدود بين الرسم والنحت من خلال تحرير القماش من الإطار}، وهذه الروح تتخلل الأعمال التي ستعرض في غاليري {أيام} جدة.

أحد الأمور الرئيسة في أعمال سمرة الإيمان بأن وظيفة الفن كشف الحقائق التي تخفيها الثقافة البصرية المشيدة والتي على البشر أن يتنقلوا من خلالها. ففي عمل {واقع مشوه} يبحث الفنان في الهوية الاجتماعية المبنية والصورة المثالية.

وترى الناقدة الفرنسية روكسانا عزيمي التي أصدرت كتاباً بعنوان {فيصل سمرة... الحقيقة المحرّفة} عن دار نشر {سكيرا} الدولية،  أن سلسلة الصور الفوتوغرافية، التي تتبعها وحققها الفنان على شكل لوحات متعددة المصاريع، سمحت له بالإفلات من الإطار وبمد عمله بديناميكية وجانب سردي، حيث يبدو وجه الرجل الماثل فيها ملفوفاً كمومياء وخاضعاً لعملية تنكُّر وتعرية مستمرة، ما يعكس تلاعباً في هويته وتهجيناً له. وفي معرض تفسيرها معنى هذه السلسلة، تستحضر عزيمي قول سمرة الآتي: {حقلنا البصري منتهَك باستمرار ومشبّع بالصور، إلا حين نذهب إلى الصحراء. ولكن حتى هناك، يمكن التشويش على الطبيعة. فيض الصور والأكاذيب يخنقني. وشخصياتي تتمرد على زمننا وتحاول صد الصور الإعلامية التي تتحكّم بها وتحجب رؤيتها}.

سرقة الفردانية

باستخدام مجموعة من العروض التي وثقت خلال التصوير الفوتوغرافي والفيديو فإن سمرة يصور ما يعتبره سرقة للفردانية، وباعتبارها نتيجة منطقية للاستخدام المتزايد للصورة الملفقة والمعدّلة على الفوتوشوب. ويشكك الفنان هنا بثقة الناس واسعة الناطق والتي يضعونها في هذه التركيبات الملفقة، والطرق التي تقوم من خلالها هذه الصور الوسيطة بإجبار البشر على التوق، والرغبة، والشراء.

سمرة هو المؤدي في هذا الأعمال، وهي سمة شائعة في ممارساته الفنية. فهذا الطقس، والذي عادة ما يقدم كلوحة ثلاثية، يسمح للفنان بأن يخلق أشكالاً نحتية بجسده لأنه يخفي ملامحه من المشهد، في حين يحلق ويزيل صوره في ذات الوقت.

سيعرض سمرة في غاليري {أيام} عملان يقدمان شخصيتي الملاك والشيطان المتعارف عليهما عالمياً. ففي عمل {واقعه مشوه- الأداء رقم 43} يتحدى ملاك ملثم التصنيف، حيث يقدم خاصية رسومية لسطح الصورة كمرجع إلى علاقة سمرة المبكرة مع الرسم. وكجزء من صورة فوتوغرافية ضبابية وخافتة التركيز، مشيرة إلى الدفق المستمر للصورة المعدلة والتي يمكن العثور عليها في الأفلام، الاعلانات ومحتوى المطبوعات في جميع أنحاء العالم.

وعلى النقيض من ذلك، يتخذ الفنان دور الشيطان في مجموعة {صورة نصية} (عزازيل- الشيطان) حيث يرتدي سمرة مجموعة من الأقنعة زاهية الألوان والمقلقة كي يصبح تلك الشخصية الشيطانية، محدقاً خارج إطار اللوحة بينما يتموضع تحت أرقام 666 المخربشة عبر الخلفية. وتطرح مجاورة الفنان لهاتين الشخصيتين القويتين والمحملتين بالرمزية سؤالاً هو: {هل هو تنومنا وسائل الإعلام مغناطيسياً وتسيطر علينا من خلال لغة بصرية مشوهة ومقنعة من الشخصيات المنوِمة، من الملائكة والشياطين، والتي وصلنا جميعا إلى قبولها كحقيقة؟}. وسبق لسمرة أن قدم في عمله {واقع مُحَرَّف} انتقاداً للصور المُجَمَّلة التي تغزو نسيجنا البصري في زمننا المعاصر فننغمس بها وتسحرنا، وهذه الصور مخطط لها ومشغولة بدقة لواقع محرّف... واقع صنعته شركات العولمة ووسائل الإعلام وأقطاب السلطة كي يبدو جذاباً.

سيرة

ولد فيصل سمرة في البحرين. درس في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس، وكونه قد خاض تجارب عدة في مجال التصميم فإن أعماله الفنية المتنوعة التي تشمل في طياتها الرسم والنحت والفن الإنشائي تظهر شغفه تجاه الثقافة المرئية والصورية وتستخدم أحياناً مزيجاً من الدلالات والمؤشرات التاريخية والمعاصرة، كأنه رحّالة يجوب الزمن.