في الكويت لم تعد المشاجرات مجرد تبادل للألفاظ أو تشابك بالأيدي، فهذه أصبحت موضة قديمة، ولا تتناسب مع الذوق الجديد لهذا الجيل المنفتح على القتل والإجرام! فبعد مقتل طبيب "الأفنيوز" على يد شاب من عمره بالساطور بسبب موقف للسيارات، وتعرض آخر في اليوم التالي لتلك الحادثة للطعن بالسكين في إحدى محطات الوقود، ثم ثالث في صالة للأفراح بعده بأيام، تطورت الأمور بعد ذلك لتصل إلى استخدام "الكلاشينكوف" في مشاجرة بين صديقين ليطلق أحدهما على الآخر ثلاث رصاصات محاولاً قتله، ولولا العناية الإلهية التي أنقذته من موت محقق لكانت حياته في خبر كان!

Ad

ويتساءل المراقبون "المسالمون" الذين ليس لهم باع طويل في السكاكين والسواطير والرشاشات أمثالي وأمثالك عما ستسفر عنه التطورات في الأيام المقبلة، هل سنرى مشاجرة تستخدم فيها القنابل اليدوية أو المولوتوف أو هجوماً بالمدرعات إثر خلاف على الأحقية في طابور الجمعية أو الخباز الإيراني؟!

في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت جرائم القتل محدودة جداً لذلك مازلنا نتذكر تفاصيل معظمها، فالمحاكمات كانت تنقل لنا عبر الصحافة كلمة كلمة، وتنفيذ الإعدام بحق القتلة كان يتم في مكان عام ونشاهده مرات عدة في نشرات الأخبار، وتتصدر صور الإعدام الصفحات الأولى للصحف، وتنقل لنا حتى الرقم القياسي الذي استغرقته عملية كسر رقبة المشنوق!

هذه "العلنية" كانت على ما يبدو في الماضي رادعاً للكثيرين من المتهورين الذين لا يحسبون لعواقب أفعالهم أي حساب، ثم أتى زمن علينا صرنا نقرأ عن فلان القاتل الذي تم القبض عليه فلا ندري ما حدث له بعد ذلك، تختفي أخباره وننساه هو وجريمته، وإن كان قد تم تنفيذ القصاص فيه، فلا أحد، سوى أهله وأهل الضحية، يعلم بذلك، فالعقوبة تتم بسرية بعيداً عن أعين الصحافة والتلفزيون، ولا أعلم سبباً لذلك سوى- ربما- الاعتقاد بأنه نوع من التحضر أو مراعاة للمشاعر "المرهفة" للقاتل!

ولذلك، نشأ لدينا جيل يحسب أن العقوبة لا تتعدى الحبس عاماً أو عامين لجرائم القتل، فهو لم ير أحداً متدلياً من حبل المشنقة عقاباً على سوء فعاله، ولم تسر في جسده تلك القشعريرة وهو يشاهد نظرات الندم والرجاء في وجهه في اللحظات الأخيرة لإعدامه. "السرية" لم تتح له أن يعايش المشهد لحظة بلحظة ليتخيل نفسه في نفس الموقف نتاج لحظة تهور... أو غباء!

أعلم أن جرائم العنف الدموية التي ازدادت في الأونة الأخيرة لها أسباب عديدة، اجتماعية وتربوية واقتصادية وربما حتى سياسية، ويحتاح الأمر إلى دراسة مستفيضة من المتخصصين للوقوف على مكامن الخلل والحلول المناسبة لهذه المعضلة، لكن في رأيي المتواضع أن غياب الرادع المتمثل في "علنية" عملية الإعدام قد ساهم إلى حد بعيد في نشوء جيل يحسب أن الأمر "سهالات" حتى لو تعلق بسلب إنسان آخر حياته على سبب أتفه من التفاهة!  

أعيدوا الأمور كما كانت في السابق، وليشاهد الناس القصاص بأعينهم وفي التلفزيون والصحف، لعل بعض الشباب المنفلت يرتدع ويحسب ألف حساب لمصيره قبل أن يقرر "بالساطور والسكين والكلاشينكوف" مصائر الآخرين!