بحجم المخاوف على سورية وأوضاعها، التي لاتزال معلقة بين الأرض والسماء والتي تواجه شتى الاحتمالات، فإن هناك مخاوف فعلية وحقيقية على مصر والعراق وتونس وليبيا، إضافة إلى العديد من الدول العربية التي لم يصل إليها "الربيع العربي" ولم تغشها استحقاقاته حتى الآن، ولا يمكن استثناء الوضع الفلسطيني من هذه الخشية، حيث هناك دولة في غزة لا يتوافر لها أي مقوم من مقومات الدولة، ودولة أخرى في رام الله، حالها كمن يعيش بين فكي تمساح، وكل مبرر وجودها أنها تحافظ على بقاء واستمرار الأمل الذي مضى من أجله الآلاف من الشهداء، وذاق الشعب الفلسطيني من أجل الوصول إليه الأمرّين.

Ad

لا أحد يمكنه الجزم بأيِّ جنب ستستقر الأمور في سورية، مع أن الثورة السورية تسير في الاتجاه الصحيح وتحقق إنجازات واعدة على الأرض، ولا أحد بإمكانه الجزم بطبيعة ما ستصل إليه الأوضاع الكارثية في العراق، وما إذا كان السائد حالياً سيأخذ البلد إلى الحرب الأهلية المدمرة أم لا؟ ولا أحد بإمكانه الجزم بما إذا كان شعب مصر العظيم سيعود إلى طبيعة مياه النيل الانسيابية الهادئة أم أن نزوات الشموليين والاستبداديين ستأخذه إلى المصير المظلم الذي يجري الحديث عنه؟ وهذا في حقيقة الأمر ينطبق على تونس وليبيا وبالطبع على السودان، الذي يعيش أوضاعاً "لا تسر الصديق ولا تغيظ العدا"، وعلى اليمن السعيد المصاب بمرض جاهلية علي عبدالله وبصداع "التشطير" الشيوعي المُحْتضن، وللمفارقة، من قبل الولي الفقيه ومرشد الثورة والآية العظمى في طهران.

لماذا نزل غضب الله على هذه الأمة فأصبحت أوضاعها هكذا، وأحوالها كهذه الأحوال المزرية والبائسة؟!

لو بدأنا منذ بدايات القرن الماضي لوجدنا أنه لم يكن قد بقي من العرب كمكانة وحضارة وعطاء للإنسانية ودور تاريخي إلا ما يشبه "بقايا الوشم في ظاهر اليد"، فأجيالهم اللاحقة بعد أيام العز والفتوحات العظيمة التي امتدت من "بواتيه" على أبواب باريس في الغرب وحتى سور الصين العظيم في الشرق قد أصيبت بالإعياء والأمراض التي أصيبت بها أجيال كل الدول البائدة، وخلفاؤها وسلاطينها قد سلموا ذقونهم ورقاب شعوبهم ومصائر بلدانهم لمن كانوا اشتروا آباءهم وأجدادهم من أسواق النخاسة، فحلَّ بهم عقاب التاريخ وكانت النتيجة أن وصلت هذه الأمة التي كانت عظيمة إلى كل هذا الهوان الذي تعيشه الآن.

ولو عدنا إلى عشية الحرب العالمية الأولى لوجدنا أن الغرب، المنتصر على الإمبراطورية العثمانية التي كانت قد وصلت إلى الشيخوخة والانهيار وأرذل العمر، قد قسَّم الوطن العربي بـ"المسطرة" وحوَّله إلى دويلات ودول لا تتوافر لمعظمها أدنى مقومات "الكانتونات" التي عرفها التاريخ القريب والبعيد، ولو عدنا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية لوجدنا أننا ابتلينا بانقلابات العسكر الذين كانت أحوالهم كحال ذلك الزوج الذي اعتاد الانتقام من زوجته وأطفاله عندما يعود إلى بيته، من قبيل التعويض وإثبات رجولته، لأنه يواجه إذلالاً لا مثيل له في الخارج.