بعيداً عن التناحر السياسي القائم في البلد بين الأغلبية المبطلة ومجلس الأمة الحالي، أو مجلس "الصوت الواحد"، كما يحلو للبعض تسميته، بهدف الانتقاص منه بلا معنى، وهي حالة الصراع أو الجدل التي أحاول ألا أنغمس فيها أو أكتب عنها منذ فترة، فإنني معني بالقضية وليس بالشخص الذي يطرحها، لذلك فإنني أحيي جرأة وشجاعة من تقدموا باقتراح بقانون لإلغاء قانون الردة والتخلف الاجتماعي والأكاديمي، الخاص بمنع التعليم المشترك أو منع الاختلاط في المرافق الجامعية الحكومية والخاصة.

Ad

ذلك القانون الذي صدر منتصف تسعينيات القرن الماضي، وزاد تخلف جامعتنا الحكومية الوحيدة، وكبل إمكانات الجامعات الأهلية، وجعلها مصانع لإصدار الشهادات، بدلاً من أن تكون حاضنة البحث العلمي والتنوير وتطوير مجتمع الدخل الواحد والتزمت والأزمات المتوالية.

قانون منع الاختلاط أربك جامعة الكويت بقضايا توفير الكوادر للشعب الدراسية والمختبرات المفصولة، وكيفية إيجاد مستشفى تعليمي لكلية الطب وطب الأسنان يفصل بين الطلاب والطالبات!

قضية منع الاختلاط كانت ومازالت قضية التكسب الشعبي الأولى لدى الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع بداية تحالف السلطة معهم، والتوجيه الإعلامي الرسمي المكثف على المجتمع الكويتي لتحويله نحو الأصولية والنفس المحافظ المبالغ فيه، نتيجة ما طرأ من تحول على هوية المجتمع الكويتي، وبالتأكيد فإن القوى السياسية الأصولية ستجد في بحث هذا الملف مجدداً فرصة للعودة إلى الشارع للالتفاف حولها في قضية ستسبغ عليها عناوين شرعية ودينية في الكويت، بينما يعتبرها نفس الفصيل السياسي (الإخوان المسلمون) في تركيا ومصر وتونس والمغرب قضية مفروغاً منها ومرفوضة تماماً.

لذلك أتمنى ألا ينجر مقدمو اقتراح القانون إلى "مداحرات" الشارع، وتأليب العامة والندوات وخلافه، وأن يناقشوا المختصين بالبيانات والأرقام، وأثر هذا القانون على مستوى التعليم وتوفير مقاعد لأبنائنا في المستقبل بجودة أكاديمية مقبولة، وأن يتعرفوا على "ماية" الحكومة، إن كانت تريد أن تكفر عما فعلته عبر تمرير "منع الاختلاط"، ضمن صفقة سياسية حان الوقت لإصلاح نتائجها وتجنيب البلد آثارها المدمرة، أم مازالت في حسابات الخسارة والكسب السياسي، وإن لم يكن هناك أمل منها، فإنها على الأقل يتحركون للتوصل معها إلى تسوية ضمن فن الممكن، عبر رفع سيف منع الاختلاط عن الجامعات الخاصة حتى يكون هناك بديل عن جامعتنا الحكومية التي ستدمر نتيجة لهذا القانون.

***

كلما سمعت البعض يتكلم عن "العدالة" في معالجة قضية القروض، التي ستسترد الدولة كل ما ستدفعه بعد حين، أكاد أستلقي على قفاي من الضحك، وكذلك من العدد الكبير من الخبراء الاقتصاديين الذين يملأون صحفنا يومياً بالتعليق على القضية، أقول لطلاب العدالة هؤلاء: أين العدالة في من يدفع للدولة في المتر المربع من المولات الإمبراطورية دينارين و400 فلس فقط، ويؤجره تجارياً بـ80 ديناراً؟ وأين العدالة عندما يسقط 70 في المئة من الدين في قانون المديونيات الصعبة، ويسدد المدين 30 في المئة فقط من أصل الدين، وتسدد عنه الدولة المتبقي، مع عدم السماح بالاستفسار عن أصوله وممتلكاته في الخارج؟

ويا أهل العدالة هل سمعتم عن إيقاف الحكومة الفدرالية الأميركية عمليات استيلاء البنوك على بيوت الأسر الأميركية التي لا يتجاوز ثمنها 250 ألف دولار بعد أزمة 2008 المالية، وإيقاف الحكومة الإسبانية في يناير الماضي أوامر الحجز التنفيذي للبنوك على الشقق السكنية، وإجبارها بقانون على إعادة الجدولة بنسب فائدة مخففة بخلاف العقود التي أبرمت؟ علماً أن بنك الكويت المركزي أقر بمخالفات البنوك عبر فرضه غرامات تبلغ 163 مليون دينار عليها، وتحديده الفترة من 2002 إلى 2008 كفترة تجاوزات لم ترصد بشكل مناسب منه رقابياً، لذا فإن الحديث عن العدالة في الكويت ملهاة وعبث.