أكاذيب وحقائق!
ليس صحيحاً إطلاقاً وكذبة بحجم الكرة الأرضية القول بأن ما يجري في سورية ليس حرباً أهلية بل حربٌ مع الإرهاب، إذ لو كان في هذا ولو الحد الأدنى من المصداقية، ولو بمقدار نقطة في بحر، مادامت أرقام الأمم المتحدة والمنظمات تشير إلى أن عدد القتلى من المدنيين السوريين تجاوز المئة ألف، لكان عدد هؤلاء الإرهابيين ليس عشرة آلاف ولا عشرين ألفاً، بل أكثر من مليونين أو ثلاثة ملايين على الأقل. إنَّ كل هذا الذي يقال كذب في كذب وهو من قبيل التشاطر والضحك على ذقون الغربيين، شعوباً ودولاً، الذين ترسخت لديهم بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 عقدة "القاعدة" والجماعات المتطرفة الإرهابية، والحقيقة هي أنَّ هناك تنظيمات إرهاب بالفعل متمثلة في "النصرة" وفي ما يسمى "دولة العراق والشام الإسلامية" ولكنها تكاد تنحصر في المناطق الشمالية- الشرقية من سورية، وأنها لم تخض أي معركة فعلية مع الجيش النظامي، وأنها بالتأكيد قتلت عدداً من منتسبي الجيش الحر ومن المواطنين العاديين، لكن المسؤول عن كل هذه الأرقام الفلكية من القتلى المدنيين هو "الجيش العربي السوري"! الذي هو المسؤول أيضاً عن تهجير كل هذه الملايين من أبناء شعب من المفترض أنه شعبه إلى الدول المجاورة والمتاخمة والبعيدة.
هناك "فيلق" إعلامي تشرف عليه المخابرات الإيرانية كان قد أعلن وجوده الرئيس بشار الأسد وبمنتهى التباهي والادعاء منذ البدايات، حيث كانت الاحتجاجات في ذلك الحين تتخذ طابع التظاهرات السلمية، وحقيقة فإن هذا الفيلق قد أبدع في الكذب وتزوير الحقائق واختراع أمور وقضايا لم تحدث إطلاقاً من بينها "جهاد النكاح" ومن بينها أيضاً تمثيلية بقر البطون وأكل الأكباد، وبالطبع من بينها ادعاء وليد المعلم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة أنه لا توجد في سورية حرب أهلية بل حربٌ مع الإرهاب... فهل هذا الإرهاب "اللعين" هو الذي يحشر في زنازينه وسجونه نحو ربع مليون من السوريين؟! وهل هو الذي قتل أكثر من مئة ألف وفقاً لتقدير الهيئات الدولية؟ وهل هو من اقتلع الملايين من مدنهم وقراهم ومن بيوتهم وقذف بهم إلى خارج بلدهم ليكابدوا المرارة والويلات في مخيمات الذل والهوان التي احتشدت بهم بطرق غير إنسانية؟! يجب وضع حدّ لهذه الأكاذيب التي تلقفها حتى بعض الإعلام الغربي وبات يرددها بطرق "ببغاوية" وكل هذا وكان على المعارضة أن تبادر منذ البدايات إلى التبرؤ من هذه المجموعات الإرهابية التي هي صناعة مخابراتية سورية وإيرانية والتي اتضح، إلا لمن لا يريد أن يُقرّ بالحقائق، أن هدف اختراعها هو إعطاء مصداقية لكذبة أن سورية تتعرض لغزو إرهابي من ثلاث وثمانين دولة، إضافة إلى تشويه صورة الجيش الحر واغتيال خيرة وأفضل ضباطه وإشغاله بمعارك جانبية بعيدة عن هدفه الحقيقي. إن المؤكد أن الـ"سي آي إيه" الأميركية تعرف كل هذه الحقائق وأكثر منها وكذلك المخابرات البريطانية والفرنسية والألمانية... ومخابرات كل دول الكرة الأرضية، ولكنها كلها تلتزم كل هذا الصمت المريب، بل إنها تلعب دوراً "مشبوهاً" في الترويج لكذبة أنه لا توجد في سورية حرب أهلية، وأن هناك حرباً مع الإرهاب القادم من ثلاث وثمانين دولة، وفي تشويه صورة المعارضة السورية في الغرب الذي لديه الاستعداد دائماً وأبداً لتصديق كل رواية تسيء إلى أهل هذه المنطقة وأهل هذا الشرق. حتى الروس، الذين لهم آلاف الضباط الذين يعملون في مفاصل الجيش النظامي وفي مفاصل المخابرات والأجهزة الأمنية السورية، والذين يعرفون كل صغيرة وكبيرة في هذه الدولة، التي بدأ وجودهم العسكري والمخابراتي فيها منذ نهايات أربعينيات القرن الماضي، لم يكتفوا بتصديق كل هذه الأكاذيب، التي من المفترض أنها غدت معروفة ومكشوفة، بل دأبوا على ترويجها والدفاع عنها في مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحافل الدولية كلها، وكل هذا بينما هناك استسلام رسمي عربي لهذه الحرب الإعلامية التي بقي "يفبركها" ويروجها الفيلق الإعلامي الإيراني التابع لـ"فيلق القدس" وللجنرال قاسم سليماني مباشرة، وعلى طريقة جوزيف غوبلز وزير إعلام هتلر والمرحلة النازية.