هل سيستمر الحراك؟!
السلطة بعينها ومن خلال أسلوب القمع والتنكيل، وكذلك من خلال أسلوب الملاحقات الأمنية والاعتقالات التي صرنا نراها في تزايد واضح، هي التي تستمر في إمداد الحراك المعارض، باختلاف أطيافه بالوقود اللازم للاستمرار في الاحتشاد ضدها.
قوبلت مسيرة "كرامة وطن" الأخيرة، التي جرت أحداثها في منطقة قرطبة مساء الأحد الماضي، بقوة مفرطة وقمع وتنكيل شديدين من قبل قوات الأمن وسلسلة من الاعتقالات، وقد تم توثيق الأمر في كثير من الصور ومقاطع الفيديو التي نشرت على شبكة الإنترنت وعبر الهواتف الذكية، وذلك بالرغم من ادعاء الجهات الحكومية المسؤولة عكس ذلك.ولعل من يتابع هذه الزاوية منكم يذكر أني تناولت في مقالي الأخير مسألة أن الحراك المعارض يكاد يكون، إن لم يكن فعلا، قد استنفد كل ما في جعبته من أفكار وتحركات لإبداء معارضته ورفضه لمرسوم الصوت الواحد، وذلك بعدما استخدم أداتي الاعتصامات والمسيرات بشكل متكرر دون نتيجة تذكر، حتى وصل اليوم إلى حالة من الحيرة أمام السؤال المستحق "ماذا بعد؟". لكنني أعود اليوم لأكتب بأن المفارقة الساخرة هي أن السلطة نفسها هي التي لا تزال تعطي هذا الحراك المعارض الوقود اللازم والطاقة الكافية للاستمرار ومعاودة الاعتصامات والمسيرات بعزيمة أكبر وذلك من خلال انتهاجها أسلوب البطش والقمع بالقوة، مما يزيد المعارضين عزيمة وإصرارا!
من تابع مجريات الأحداث وتبصر بها بدقة، سيذكر أن عزيمة الحراك المعارض مرت بأسوأ حالاتها في تلك الفترة التي أعقبت مسيرة كرامة وطن "المرخصة" والتي سمحت الحكومة بتسييرها لتجري فانتهت بعد ساعات معدودة بهدوء وسلام. من تابعوا مجريات الأحداث سيتذكرون أن حالة واضحة من الإحباط لفّت الكثير من الشباب والمتحمسين عندما وجدوا أن مسيرتهم هذه بالذات، على الرغم من حجمها الكبير، قد جاءت وذهبت بلا تأثير مقنع وكأنها كانت صرخة في واد لا حياة فيه، في حين أن كل المسيرات التي رفضت الحكومة ترخيصها وتصدت لها قوات الأمن بالقوة والعنف كان يعقبها حماس واضح وتأجج فكري ونفسي بالغ في أوساط الحراك المعارض تجاه السلطة لفترة ليست بالقصيرة!السلطة بعينها ومن خلال أسلوب القمع والتنكيل، وكذلك من خلال أسلوب الملاحقات الأمنية والاعتقالات التي صرنا نراها في تزايد واضح، هي التي تستمر في إمداد الحراك المعارض، باختلاف أطيافه بالوقود اللازم للاستمرار في الاحتشاد ضدها، وأكاد أجزم أنها لو توقفت عن ذلك، وقامت بترخيص كل المسيرات والاعتصامات حتى تعطيها المساحة الكافية للتعبير عن نفسها والمرور بهدوء وسلام، لوجدناها تأخذ بالتقلص والوصول إلى الاصطدام بنقطة الحيرة التي تحدثت عنها في مقالي السابق.لهذا السبب، سأكرر ما خلصت إليه في مقالي السابق بأن على الحراك المعارض أن ينتبه لهذه الحقيقة قبل أن تنتبه إليها السلطة، فيبدأ بتنسيق جهوده والالتفاف على نفسه ورسم مسيرة خطواته القادمة خارج إطار الاعتصامات والمسيرات المحدود!