تصحيح صورة الإسلام مسألة تحتاج إلى مخاطبة الداخل والخارج بأسلوب جديد، فالحضارة الإسلامية لم تنشأ من فراغ، فالإسلام خلق إنساناً صنع هذه الحضارة، لذا عندما فقدنا هذا الإنسان وصلنا إلى حالة من الضعف، يؤكد ذلك المفكر الإسلامي التركي الدكتور إسماعيل طشبنار أستاذ تاريخ الأديان بكلية الإلهيات جامعة مرمرة في إسطنبول، ويطالب في حواره مع «الجريدة» بضرورة تنسيق الجهود لإيجاد الوسائل المعينة للتفاعل الإيجابي والفعال في سبيل خدمة الإسلام والدفاع عنه والتعريف بمبادئه وقيمه السمحة وإثبات القدرة على التعامل مع الثقافات الإنسانية بمختلف تياراتها ومشاربها والتفاعل مع قضايا العصر بكل اتجاهاتها وموضوعاتها.

Ad

• لماذا يكره الغرب الإسلام؟

لا يصح أن نعمم الأحكام فالغرب محيطه كبير جداً، لأن الغربيين ليسوا فكراً واحداً فهناك المعتدل والمنصف وهناك المتطرف في أفكاره وحكمه على الإسلام، فليس كل الغرب يكره الإسلام، أما من يكرهون الإسلام فيرجع سبب ذلك إلى أنهم يحكمون على هذا الدين من خلال التصرفات السيئة لبعض المسلمين، وبالتالي فإن حكمهم نابع من متابعة ورصد هذه التصرفات، ويدخل في ذلك بعض وسائل الإعلام المغرضة والمدفوعة للتحريض ضد الإسلام وهناك من يعمد إلى تشويه صورة الإسلام خوفاً من انتشاره.

• هل للمستشرقين دور في ذلك؟

المستشرقون اليوم يعرفون الإسلام والمسلمون جيداً ويتعاملون مع المعارف والثقافة الإسلامية ويعيشون معنا بفكر منفتح ويتكلمون عنا بحيادية شديدة، فعكس الماضي فقد كان المستشرقون قديماً ضد الإسلام ويعمدون إلى تشويهه مدفوعين برغبة مليئة بالحقد على الإسلام والمسلمين.

• هل نحن مقصرون في تعريف الغرب بمبادئ الإسلام؟

نعم لذلك يجب علينا أن نستغل كل الوسائل من نشر وكتابة ووسائل الاتصال الحديثة والاستفادة من المفكرين المنصفين للإسلام والمنتصرين للمسلمين في البلدان الأوروبية لتحقيق ذلك.

• ماذا عن خطابنا الديني؟

ضعيف في مجمله، فهو بعيد عن مستجدات العصر ومتغيراته ونحتاج إلى تجديده بما يتناسب مع ثقافة اليوم التي تختلف كثيرا عن الماضي، والمفترض أيضا أن يتناسب الخطاب الديني راهنا مع الأفكار والثقافات المغايرة المنتشرة في عالمنا الإسلامي لتفنيدها والرد عليها ولهذا يجب علينا أن ندقق ونختار ونحلل الكلمات المناسبة التي نختارها لمخاطبة الغرب خاصة المعروف عنهم الحيادية والإنصاف.

• ما تقييمك لوسائل الإعلام الإسلامية؟

تتسم بالضعف فيما تقدمه حيث تقتصر على قراءة القرآن والأحاديث النبوية، وبعض مقدمي برامجها جهلاء بالدين الإسلامي وليس المطلوب من علمائنا وفقهائنا معرفة الثقافة الدينية فحسب، بل الثقافة التاريخية ايضا، ويجب أن تكون وسائل الإعلام مفتوحة على كل المعارف التي تحكي عن قوة الحضارة الإسلامية.

• إلى ماذا يفتقد العالم الإسلامي حتى ينهض؟

اليوم الثقافة الإسلامية يجب أن تتطور وأن تتجدد وكل هذا يؤسس ويبنى على التربية منذ الصغر والمراحل التعليمية بحيث تضم المناهج كل ما يحض على النهوض بفكر الناشئة المسلمة ويحض على الالتزام بمبادئ وتعاليم الدين الإسلامي، ولابد من جعل الدراسة الشرعية والعلمية دون انفصال مقدمة عملية للإصلاح الشامل في العالم الإسلامي فالعالم الإسلامي يعيش في الوقت الراهن مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالمعرفة والعلم بسنن الله القرآنية والكونية، التي أهملناها مدة طويلة في حين أن قوة الأمم اليوم إنما هي قوة المعرفة والعلم.

• معنى ذلك أن تعليم الدين ضعيف في منهاجنا؟

أظن أنه ليس ضعيفاً بمعناه القديم، لكننا مازلنا سجناء كتب التفسير والتاريخ القديم فعلماء الماضي مثل ابن كثير والشوكاني وابن تيمية جاءت كتاباتهم متفقة مع زمانهم لغة وفكراً، ولذا يجب علينا أن نحول ونترجم ثقافة علماء القرون الماضية إلى ثقافة ولغة يومنا، فنحن نحتاج إلى قراءة جديدة لمعارفنا الإسلامية بما يتفق والحاضر بمتغيراته وتطوراته، حتى نساير العالم من حولنا وتتحقق نهضتنا.

• كيف نستفيد من مشاريع الإصلاح في بلداننا التي تبناها محمد عبده والمفكران التركيان محمد فتح الله كولن وبديع الزمان النورسي؟

كل هؤلاء الأشخاص في وقتهم وزمانهم عرفوا بعض الأشياء ووقفوا على بعض المشكلات المتعلقة بتخلف الإنسان في زمانهم وتأثير ذلك على المجتمع وجمود الحضارة الإسلامية فعملوا على حل هذه المشكلات وعلينا أن ننظر لهم وأن نقرأ كتاباتهم ثم نقرأ زماننا أيضا. علينا أن نكون شخص زماننا ومفكر زماننا وأن نتخذهم فقط أمثالا لنا فلا يجب علينا أن نكون بالضبط مثل فكر محمد عبده أو رشيد رضا ويجب أن ننظر إليهم كتاريخ وعلينا أن ننظر للحاضر والمستقبل لنتعامل معه بفكر اللحظة الآنية.

• معنى ذلك أن إحياء المشاريع الإصلاحية لا يجدي اليوم؟

ليس علينا أن نحيي الأموات أو الماضي، فالماضي هو ما مضى والمستقبل هو الآتي ونحن نعيش اليوم فيجب أن نفكر بعقلية اليوم، ونتعامل مع مشكلات اليوم التي فيها من المستجدات والتطورات التي لم يشهدها الماضي، فالإنسان ابن زمانه، وعلينا أن نستفيد من تجارب الماضي فقط.

• نسمع عن حوار الأديان والتقريب بينها، ما رأيك في هذه القضية؟

حتى اليوم هناك أفكار ثابتة في فكر المسلمين ضد النصرانية وغير المسلمين، وبالمثل كانت الأفكار الثابتة لدى غير المسلمين والنصرانية عن الإسلام، واليوم المحاورة تعني أن نتكلم معاً وأن نجتهد لتطوير أحوال الناس في أمور كثيرة يمكن أن نجتهد فيها معاً، مثل الفقر الذي يعاني منه الجميع، مسلمون وغيرهم، فإذا قرأنا الأناجيل نجد أن عيسى (عليه السلام) يقول أنا نبي الفقراء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول طوبى للفقراء، وقوله كاد الفقر أن يكون كفراً فيجب أن يبنى الحوار على حل بعض القضايا الإنسانية، من منطلق مثل هذه المشتركات بين الأديان، وعلينا أن نجتهد لنجاح هذا الحوار وليؤتي ثماره على الجميع.

• ما رأيك في صعود التيارات الإسلامية للحكم في بلدان ما يسمى بالربيع العربي؟

هذا تطور للدول العربية، لكن كل دولة تختلف عن الأخرى، لذا لا يمكن مقارنة كل واحدة بغيرها، وإن تشابهت أفكار هذه التيارات فكل حالة تختلف عن الأخرى والأمر يحتاج منهم إلى جهد كبير وعلى أصحاب هذه التيارات أن ينفتحوا على كل الأفكار وأن يتبحروا في المعارف الإسلامية بما يعمل على حل المشكلات الاجتماعية في أوطانهم وأن يكون إسهامهم في هذه الأزمان كثيرا جداً.

• هل صعود هذه التيارات يخدم المشروع الإسلامي؟

المسلمون عليهم الاجتهاد في كل الأحوال وليس لمصلحة حزب أو آخر ولذا علينا ألا نستعمل كلمة إسلام لأي فئة أو حزب فهذا خطأ فادح، فالإسلام هو اسم الدين فقط ويجب أن تعمل هذه التيارات على إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية وتغيير مناهجنا في التفكير فهو السبيل للخروج من الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية يمثل ويخدم المشروع النهضوي الإسلامي.