المقاطعة السياسية والشعبية الواسعة للانتخابات الماضية التي جرت على "مرسوم الصوت الواحد" لم تكن بسبب ترف فكري أو سياسي، كما لم تكن نتيجة لموقف شخصي من هذا الطرف أو ذاك، بل كانت موقفاً سياسياً مبدئياً قائماً على التمسك بنظام الحكم الديمقراطي، حيث السيادة للأمة مصدر السلطات جميعاً، وهو ما يتطلب رفض تعدي سلطة على سلطة أخرى (مبدأ فصل السلطات مادة 50 من الدستور)، حيث إن السماح بهدم الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم الديمقراطي الذي نصت عليه المادة السادسة من الدستور، ومن ضمنها مبدأ فصل السلطات، يعني التخلي عن نظام الحكم الديمقراطي.

Ad

وتأتي أهمية النظام الانتخابي من أنه الركيزة الأساسية التي تتحدد بناء عليها كيفية المشاركة الشعبية في نظام الحكم الديمقراطي، ففي الدول الديمقراطية كافة لا يجوز أن تقوم الحكومة منفردة بتعديل قواعد العملية السياسية من خلال التعديل التحكمي لقانون الانتخابات وتسمى باللغة الإنكليزية (Gerrymandering)، لأن ذلك سيسمح لها بالتحكم في نتائج الانتخابات وتفصيلها على هواها، وعندئذ لن يكون هناك فصل بين السلطات بل سلطة واحدة تتحكم في كل شيء.

من هنا فإن الخلاف السياسي كان ولا يزال حول مبدأ تعديل النظام الانتخابي الذي قامت به الحكومة منفردة وليس حول تقليص عدد الأصوات.

ومع هذا فإن القول إن الصوت الواحد معمولٌ به في الدول الديمقراطية لتبرير مرسوم "الصوت الواحد" لهو استدلال فاسد، كما يقول أهل القانون، وقول غير دقيق حيث إن تطبيق القاعدة الديمقراطية "صوت لكل ناخب" يتطلب أن يمثل الدائرة الانتخابية نائب واحد وليس عشرة، كما هي الحال لدينا أو عندما يتم التصويت لقائمة واحدة فقط.

وغني عن البيان هنا أن قانون الانتخاب رقم 42/ 2006 قد أقر بإجماع السلطتين بعد توافق شعبي وطني لم يسبق له مثيل، وبذلك فإنه يمثل رأي الأمة حقيقة.

أما الدعوة للمشاركة في الانتخابات بحجة أنه لا فائدة من المقاطعة بل سيكون بإمكاننا، في حالة النجاح طبعاً، تغيير النظام الانتخابي بما يتوافق مع الإرادة الشعبية، فإنها دعوة ملتبسة رغم جاذبيتها الشكلية حيث غاب عن أصحابها أن المقاطعة موقف سياسي بالدرجة الأولى معناه رفض مبدأ الانفراد بالقرار الذي سيمنحه من يشارك في الانتخابات شرعية شعبية وسياسية، وبعدئذ سيكون بإمكان الحكومة تعديل النظام الانتخابي متى ما شاءت حتى لو أُقر نظام انتخابي جديد في كل مجلس قادم.

بناء على كل ما سبق فإن المقاطعة الشعبية والسياسية للانتخابات القادمة ما زالت قائمة للمبدأ ذاته الذي تمت بناء عليه مقاطعة الانتخابات الماضية، فلم يطرأ أي جديد، إذ ما زالت إرادة الأمة مُغيبة.

وبالطبع فإنه لا علاقة لذلك باحترام حكم المحكمة الدستورية، فالاحترام شيء والموقف السياسي شيء آخر مختلف تماماً، ثم إن الحكومة، على سبيل المثال، لم تلتزم بقانون الانتخابات رقم 42/ 2006 رغم تحصينه من قبل المحكمة الدستورية بتاريخ 25/ 9/ 2012، فهل يعني ذلك عدم احترامها لحكم المحكمة الدستورية؟!

أضف إلى ذلك أنه من حق الناس الاعتراض على أي قرارات حكومية لا يرون أنها تحقق مصالحهم على الرغم من صدورها بقانون من قبل جهات مختصة.

***

نافذة:

المدون المميز "خالف تعرف" يقدم "قراءة في حكم المحكمة الدستورية" على الرابط التالي: http://5alf.blogspot.com/