مردود لا ينضب
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
الإنكليز شعب يعشق الطبيعة ويكاد يذوب وينعجن فيها، وتجده رغم كل ما يُحيط به من غابات وتلال ومسطحات خضراء لا يكتفي بها، فلابد من احتواء بيته على حديقة أمامية وخلفية، وغالبا ما يترك المساحة الأكبر في أرضه لحديقته، على حساب تصغير المساحة المتروكة لبناء منزله، هذا مع ضرورة وجود البيت الزجاجي الخاص لتشتيل الزهور والنباتات التي لا تستطيع النمو في جو الأمطار المستمرة في أغلب أيام السنة التي تجرف معها بذوره، ومع هذا الطقس الصعب على الزراعة تجدها من أولوية حياته، ولها الحصة الأكبر من ميزانيته حتى لو قتر على مصاريفه الضرورية لكن ليس على حديقته.الاهتمام هذا يأتي من أعلى سلطة في الدولة وإلى أصغر فرد فيها، فمثلا محطات التلفزيون الإنكليزية لها برامج ثابتة ودائمة مخصصة للمحافظة على الغابات ورعاية الحدائق، ومسابقات الأجمل والأحلى والأطول والأصغر والأحدث والأغرب، وإلى ما لا نهاية من أفكار تزيد من شغف الناس وولعهم بالطبيعة وبنباتاتها ومحافظتهم عليها بأي ثمن كان، فهناك أبحاث تقوم بها جهات متعددة ومتخصصة برعايتها وكشف ما يطرأ عليها من متغيرات، هذه الأبحاث تكلف الكثير من الأموال السنوية التي تنفق عليها وعلى النبتات البرية أيضا التي يحافظون عليها، حتى إن كانت مجرد أعشاب سامة لا فائدة منها. لاحظ المسؤولون أن النباتات البرية على الطرقات السريعة بدأت تفقد طبيعتها، بسبب طيران بذورها إلى جهات بعيدة عن مكانها من شدة الهواء الذي تحركه السيارات المندفعة على الطريق، فما كان منهم إلا اتخذوا قراراً سريعاً بإعادة تسكينها في أمكنتها، فجاؤوا بتلاميذ المدارس الذين أعادوا شتلها.فكرة قيام التلاميذ بإعادة تنبيت النبتات البرية والخوف عليها من الاندثار، هي بحد ذاتها فكرة عظيمة لتربية الأجيال على غرس الحب والخوف على الطبيعة التي تخصهم وتخص الأجيال التي تليهم، وتبذر في وعيهم احترام ومحبة أم تطعمهم وتداريهم، وهم سيعشقونها بشكل مطلق وليس بما يخص بلادهم.هذه التربية بالمحافظة والفهم لأهمية دور الطبيعة في حياة الفرد هي من أهم دروس التوعية في إنكلترا، هذه الدروس تبدأ مع رياض الأطفال الذين يؤخذون إلى المزارع والغابات لفهم حياة النبات وماذا يعنيه اللون الأخضر لحياة البشر؟. الاهتمام يصب أيضاً في رعاية كل حيوان وكل حشرة تدب فيها وعليها، وعلى كل قطرة ماء تأتيها، فحشائشها البرية لا تقص حتى تحفظ حياة الحشرات فيها، والشجرة لا تقطع إذا كان فيها عش لطائر.دروس التأمل هذه التي تهتم وتصغي لهمس أصغر نبتة وعشبة وأي مخلوق كان، هي التي تنمي فوائد الصمت ونعمة زيادة الوعي والإدراك تحت مظلته، وهو ما تفهمه وتدركه الشعوب المتحضرة الواعية التي تقدس رهافة الصمت على علو عضلات الجعجعة.