لا أظن ولا أتوقع في يوم ما ستعاني فيه بريطانيا شحاً أو نقصاً أو تغيراً في المياه، أو تحولاً في أي شكل من طبيعة تكوينها وتضاريسها الطبيعية، سواء كانت مياه جوفية أو نهرية أو بحرية أو بحيراتها العظيمة، أو انسياب سهولها ومرتفعاتها وغاباتها، حتى أصغر حبة رمل فيها، الطبيعة البريطانية ستبقى كما هي حتى آخر الزمان طالما طبيعة شعبها المحبة لها باقية، ما لم يأت شعب آخر متوالد من هذه الزيادة المستمرة النازحة إليها من الشعوب الأوروبية والآسيوية والإفريقية، خصوصا الهنود والأفارقة والعرب الذين لا يهتمون ولا يعترفون بتحديد النسل، طالما وجدوا من يصرف إعانات مستمرة لهم ولذريتهم القادمة، هذه الزيادة المستمرة المغيرة والطاردة للإنكليز، الذين أخذوا يبتعدون ويهربون من المناطق، التي أخذ يتكاثر بأحيائها المهاجرون الذين بدأوا بنشر ثقافاتهم وعاداتهم فيها، مما نفر الإنكليز منها ومن الضجيج الذي يستحضرونه معهم، ودفعهم إلى الابتعاد عنهم والذهاب إلى السكن خارج لندن والأحياء القريبة منها، إضافة إلى الزيادة البشرية الهائلة في أعداد المهاجرين بدأت تقلق الشعب البريطاني وقيادته، ليس فقط بسبب ما يدفعونه لهم من أموال الضرائب التي تزداد عليهم كل عام، والتي تثقل على حياتهم وتنقص من دخولهم باستمرار على حساب مصلحة المهاجرين الذين هم المستفيدون منها بكل الأشكال، بل أكثر ما يقلقهم هو خوفهم على التغير الذي ربما سيؤثر على طبيعة يجلونها حد العبادة والتقديس لها.
الإنكليز شعب يعشق الطبيعة ويكاد يذوب وينعجن فيها، وتجده رغم كل ما يُحيط به من غابات وتلال ومسطحات خضراء لا يكتفي بها، فلابد من احتواء بيته على حديقة أمامية وخلفية، وغالبا ما يترك المساحة الأكبر في أرضه لحديقته، على حساب تصغير المساحة المتروكة لبناء منزله، هذا مع ضرورة وجود البيت الزجاجي الخاص لتشتيل الزهور والنباتات التي لا تستطيع النمو في جو الأمطار المستمرة في أغلب أيام السنة التي تجرف معها بذوره، ومع هذا الطقس الصعب على الزراعة تجدها من أولوية حياته، ولها الحصة الأكبر من ميزانيته حتى لو قتر على مصاريفه الضرورية لكن ليس على حديقته.الاهتمام هذا يأتي من أعلى سلطة في الدولة وإلى أصغر فرد فيها، فمثلا محطات التلفزيون الإنكليزية لها برامج ثابتة ودائمة مخصصة للمحافظة على الغابات ورعاية الحدائق، ومسابقات الأجمل والأحلى والأطول والأصغر والأحدث والأغرب، وإلى ما لا نهاية من أفكار تزيد من شغف الناس وولعهم بالطبيعة وبنباتاتها ومحافظتهم عليها بأي ثمن كان، فهناك أبحاث تقوم بها جهات متعددة ومتخصصة برعايتها وكشف ما يطرأ عليها من متغيرات، هذه الأبحاث تكلف الكثير من الأموال السنوية التي تنفق عليها وعلى النبتات البرية أيضا التي يحافظون عليها، حتى إن كانت مجرد أعشاب سامة لا فائدة منها.لاحظ المسؤولون أن النباتات البرية على الطرقات السريعة بدأت تفقد طبيعتها، بسبب طيران بذورها إلى جهات بعيدة عن مكانها من شدة الهواء الذي تحركه السيارات المندفعة على الطريق، فما كان منهم إلا اتخذوا قراراً سريعاً بإعادة تسكينها في أمكنتها، فجاؤوا بتلاميذ المدارس الذين أعادوا شتلها.فكرة قيام التلاميذ بإعادة تنبيت النبتات البرية والخوف عليها من الاندثار، هي بحد ذاتها فكرة عظيمة لتربية الأجيال على غرس الحب والخوف على الطبيعة التي تخصهم وتخص الأجيال التي تليهم، وتبذر في وعيهم احترام ومحبة أم تطعمهم وتداريهم، وهم سيعشقونها بشكل مطلق وليس بما يخص بلادهم.هذه التربية بالمحافظة والفهم لأهمية دور الطبيعة في حياة الفرد هي من أهم دروس التوعية في إنكلترا، هذه الدروس تبدأ مع رياض الأطفال الذين يؤخذون إلى المزارع والغابات لفهم حياة النبات وماذا يعنيه اللون الأخضر لحياة البشر؟. الاهتمام يصب أيضاً في رعاية كل حيوان وكل حشرة تدب فيها وعليها، وعلى كل قطرة ماء تأتيها، فحشائشها البرية لا تقص حتى تحفظ حياة الحشرات فيها، والشجرة لا تقطع إذا كان فيها عش لطائر.دروس التأمل هذه التي تهتم وتصغي لهمس أصغر نبتة وعشبة وأي مخلوق كان، هي التي تنمي فوائد الصمت ونعمة زيادة الوعي والإدراك تحت مظلته، وهو ما تفهمه وتدركه الشعوب المتحضرة الواعية التي تقدس رهافة الصمت على علو عضلات الجعجعة.
توابل - ثقافات
مردود لا ينضب
24-06-2013