«العبدلله » رجل الحق

نشر في 16-06-2013
آخر تحديث 16-06-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري هناك رجال وإن تعرفت اليهم لفترات ليست طويلة نسبية يبقوا في ذاكرتك الى الأبد، تحمل لهم ما يستحقون من تقدير واحترام بقدر ما يتمتعون به من انسانية عالية. رجال انتموا الى الانسان أولا والانسان ثانيا وأبدا. رجال رغم تاريخهم الجميل والطويل لازمتهم صفة التواضع وتصلبت مواقفهم على حب الآخر والإحساس به والدفاع عنه والإيمان بمشاركته ألمه وحزنه قدر استطاعته. دون شك هناك كثيرون أمثاله ولكن فقدانهم يجعلنا أكثر ألما وكعادتنا لا نتذكرهم الا حين يغيبهم الموت.

سليمان الفهد "العبدلله" أبونواف كما يحب أن نسميه الذي كرس لنفسه صفة تشي بعدم الكبر وتنفي عنه التكبر، وكان الرجل قولا وفعلا لا يمت لهذه الصفات التي يكرهها اطلاقا. عاصرته فترة في جريدة "الوطن" والزميلة سعدية مفرح "ابنته" التي أحبها كأب كما أحبنا جميعا مؤمنا بما نكتب وما نحمل من همّ كان يشاركنا فيه ليس لأن "نواف" أحد الذين عانوا ما عانينا فمثله لم تكن القضية بالنسبة له شخصية.

في عام 1993 ان لم تخن الذاكرة غرقت الجهراء في سيول الأمطار وتأثرت بيوت "الشعبيات" أو المساكن الشعبية، لمن لا يعرف التسمية، وتهدمت أجزاء منها وكنا أنا والزميلة سعدية نتحدث عما حدث لأننا من سكانها ليدخل أبونواف مكتبنا متسائلا عن أحوال الناس هناك ثم يعرض بيتا له في "الديرة" لأي أسرة أو أكثر من أسرة لتسكنه حتى يتم اصلاح بيوتهم. وحين شكرناه بأن الوضع ليس سيئا لنا لهذه الدرجة. قال: أنا لا أعرضه لكم فقط لأنني أعرفكم ولكني أعرضه لأي أسرة وما عليكم الا أن تعرضوا البيت لمن ترون يحتاجه فعلا.

عرفت سليمان الفهد قبل أن أتعرف إليه حين كان يشارك والزميلة ليلى حسين في برنامج تلفزيوني يقدمه شريف العلمي في السبعينيات، وكان ساخرا لاذعا في تعليقاته واستمر كذلك في كتاباته ساخرا بمرارة من كل ما يحدث. كرس مجموعة من مقالاته في زواياه التي انتقلت معه من جريدة الى أخرى حتى استقر به الحال هنا في الجريدة يكتب عن آلام الناس في بلده والبلاد العربية لا يحتكم الا ضميره الانساني.

سليمان الفهد أحد رجالات التنوير ولا أريد أن أقول آخرهم، ذلك الجيل النبيل الذي يرى أن الوطن للجميع بعيدا عن أي حس طائفي أو قبلي أو مناطقي، كان يؤمن بأن الثقافة الكويتية لا تحتمل التصنيف وليست حكرا على فئة دون أخرى. كتب أكثر من مرة عن البدون ومعاناتهم ونظرة المجتمع لهم وتراخي السلطة ومجالس الأمة في حلحلة قضيتهم، وكان متمسكا فعلا بالمقولة التي أوردها في مقالة له لفكتور هوجو

"لئن ضررت من جراء جهري بالحق، خير من أن يضر الحق من جراء احجامي عن الجهر به".

رحم الله كاتبنا ووالدنا سليمان الفهد الذي أجمع الناس على محبتهم له وفجعهم رحيله. لقد عاش مؤمنا بالحق الإنساني ومات على ما آمن به.

back to top