سبع نساء في كتاب واحد يعتبرهن المؤلف أشرف أبو اليزيد «أيقونات في حياتنا»، ولا يجد تبريراً واضحاً لأسباب اختيار هذه الأسماء بالذات، «فكل أيقونة منهن تستحق أن تكون مادة كتاب واحد، مخصص لها، كما يمكن أن يكون هذا الكتاب لا نهائياً، يسع ألف أيقونة وأيقونة، فتاريخ البشر لا تعوزه الأيقونات».

Ad

يفتح أبو اليزيد في كتابه {نون النسوة... نهر الفن} صفحة جديدة في حياة سبع نساء مبدعات وذائعات الصيت، يقول: {فقد عرفنا، جميعًا، مارلين مونرو، ولكن من يتذكر أنها كتبت الشعر، ومن قرأ قصائدها، ومن يصدِّق أن تلك الحسناء كان عندها وقتٌ لتفكِّر في الشعر؟}... سؤال وجيه لكن المؤلف لم ينتبه أن العالم كله ضج بالشذرات التي كتبتها مارلين وسارعت عشرات وسائل الإعلام إلى ترجمتها.

يضيف أبو اليزيد في تقديمه لكتابه: {كما عشنا زخم كوكب الشرق الفني، أم كلثوم، التي كانتْ تتلو القرآنَ الكريمَ فيخشع لها القلب، وتنشد القصائد والأغنياتِ فيطرب لها السمع، وتضيفُ للشِّعر، بلْ وتحذف منه، فترضى به السليقة، وتصعد إلى خشبة المسرح واثقة الخطى في وصلة ووصلتين، فينتبه لها وجدان المشرق والمغرب، وتظهر على الشاشة الفضية جارية وسيدة، وتهمسُ بالفكاهاتِ والمُلح، وتعشق كلَّ جميل، ويعشقها كل مبدع، ولكن من يعرف أنها كانت تقرأ الأدب القصصي، بل وتبتكر نهايات قصصية!» ومهما يكتب عن أم كلثوم ستبقى هناك مواضيع جديدة نكتشفها عن سيرتها التي كانت أشبه بشاهد على قرن، وشاهد على تحولات وثورات وثقافات وأنماط حياة وغناء وتقاليد.

جليلة خانوم

لعل الأبرز في كتاب أبو اليزيد هو تسليط الضوء على والدة الشاعر التركي ناظم حكمت جليلة خانوم التي كانت رسامة وشكلت مصدر إلهام لابنها الشاعر الثائر الذي ردد قصائده الملايين في الشرق، وكانت جليلة رسامة وقارئة جيدة ذات اطلاع واسع على الثقافة الفرنسية، وامرأة شجاعة لها موقفها، فحين سجن ابنها في مدينة بورصة، كتبت لافتة طويلة وعلقتها أمام السجن مطالبة بإطلاق سراحه، ووقعتها باسمها الأول في شجاعة نادرة... بل أرسلت رسالة إلى مصطفى كمال آتاتورك لإصدار عفو خاص عن ولدها الشاعر. وتمتاز رسالتها بالإيجاز والتركيز. تقول فيها: {نطمح بإصدار قرار عفوكم الشخصي عن ولدي ناظم، الخادم الأمين للغة التركية... وأن تمنعوا تعرضه إلى مزيد من القهر والأسى. أرجوكم ألا تبخلوا علينا بعدالتكم}. كان يمكن لجليلة خانوم أن تكون جزءاً من كتاب حول أمهات الشعراء أو المبدعين.

ومن الشخصيات التي تناولها أبو اليزيد الشاعرة اليونانية سافو، التي تبدو سيرتها أقوى من شعرها، أو أن نجوميتها الشخصية والأسطورية تسبق جملتها الشعرية، وتقف في الواجهة وتبدو آثارها جزءاً من تفسير سيرتها وشاهداً على أقنعتها الحياتية. عاشت في الفترة بين 610 و560 قبل الميلاد، ونالت شهرة واسعة في عصرها، وفي العصور التي تلت، بما اكتنف حياتها من جرأة وغموض، وما اتسم به شعرها من تعبير حار عن الحب وعذوبة وقوة في العاطفة. {كانت سافو امرأة فذة عجيبة}، هذا ما نقله يول ديورانت في المجلد الثاني من كتابه {قصة الحضارة} عن المؤرخ اليوناني سترابون، أما ديورانت فيقول عنها: {إن الأقدمين إذا ذكروا لفظ الشاعر فإنهم يعنون هوميروس، كذلك لفظ الشاعرة يُعنى به سافو}، وشهد عصرها، والعصور التالية لها في تاريخ اليونان اهتماماً بإنتاجها الأدبي، إذ كانت تلحن أشعارها وتغنيها، وأضافت إلى الأوزان الشعرية المعروفة في عصرها الوزن السافوني المعروف للآن، وكان سولون، وهو أحد المشرعين الأوائل وحاكم أثينا، يقول عنها: {أتمنى أن أحفظ شعر سافو قبل أن أموت}. وفيما كان سقراط أعظم الفلاسفة يسميها {الجميلة}، كان أفلاطون يهتم بأشعارها أيضاً ويقدرها. وهي كانت تقول: {لا العسل تشتهيه نفسي ولا النحل}. يمكن تأسيس ملحمة على سيرة سافو الغنية والقلقة والملعونة والغامضة.

مارغو فيون

إحدى الشخصيات البارزة التي تناولها المؤلف الفنانة السويسرية مارغو فيون التي عاشت نحو القرن في مصر توثق بريشة صبية حياة المهمشين وأفراحهم، وهي تستحق كتاباً خاصاً يلقي الضوء على سيرتها وحياتها بين مصر وأوروبا، وما يميزها أنها أمضت حياتها في مصر (ولدت في عام 1907، وتوفيت في مصر عام 2003) للتعامل مع الواقع بكل مفرداته، ومن دون اعتبارات وخيارات مسبقة. وتنتقل لوحاتها من المشهد الطبيعي، إلى رصد البيئات المختلفة، الريف والحصاد، الصيادون، العمال، النساء العربيات والفلاحات. وتحتفي بالطبيعة الصامتة كما بالبورتريه.

وبالطبع لا ننسى في الكتاب الشاعرة فدوى طوقان والرسامة الإسبانية فريدا كاهلو التي باتت محوراً لكثير من الدراسات والأبحاث والأفلام في العالم، وهي ملهمة الشعراء والروائيين والرساميين، وعشيقة شخصيات مهمة في تاريخ السياسة والفن.

أم كلثوم، مارلين مونرو، سافو، فدوى طوقان، جليلة خانوم، فريدا كاهلو، مارغو فيون، سبعُ نِسَاء وسبع حكايات، لا يجمع بينهن زمن واحد، ولا تضمهن سيرة عملية وحيدة، كما لا توحد كلماتهن لغة موحدة؟ لكن حياة كل منهن تستحق أن ننظر إليها مجددًا، لأن فيها جديدًا، نراه بعد عام، أو قرن، أو ألف عام. كل واحدة منهن لديها سيرتها التي يمكن تأسيس ثقافة كاملة عليها.