الواهمون... ومنع «منع الاختلاط»!
لست متشائماً ولكنني واقعي، ولذلك أرى أن قضية إلغاء القانون رقم 24 لسنة 1996 بشأن منع التعليم المشترك في جامعة الكويت والمعاهد التطبيقية، وهو ما اصطلح على تسميته شعبياً بـ"منع الاختلاط"، وما لحقه بعد ذلك من قوانين شملت حتى الجامعات الخاصة، أقول إن إلغاء ذلك القانون بعيد المنال في ظل ظروفنا الحالية وممارسات التخريب الطويلة للمجتمع الذي شاركت فيه السُلطة والقوى الأصولية المتحالفة معها على مدى 40 عاماً خلت، حتى بلغ التزمت ورجعية الفكر والانغلاق حالياً مداه الأقصى.ومع ذلك فإنني وكثيرين نقدر شجاعة اللجنة التشريعية البرلمانية التي أقرت المقترح بقانون، والنواب الذين تقدموا به دون أن يمنعهم عن ذلك حسابات انتخابية وخوف من ردود فعل من سيُجيشُون ضدهم باسم الدين، لكن الواقع محلياً وإقليمياً يقول إننا على فوهة بركان الأصولية الذي يطير طائره الناري بجناحي التطرف السني – الشيعي، ويجراننا إلى محرقة كبرى بسبب اختطاف الدين الإسلامي وحصره في الجنس والثارات المكبوته منذ 1400 عام بين الطوائف والمذاهب واستخدامها في المشاريع السياسية، وعند هذا الحد تغيب العقول، ولا يعود لحديث المنطق والعقل قيمة عن الاختلاط بين الجنسين في مكة المكرمة وفي جميع أوجه الحياة.
ولذلك أرى أن المخلصين الذين قدموا مقترح إلغاء "منع الاختلاط" لم يحسبوا حساب الحكومة ومدى جديتها في أن ترفع الضرر عن جامعة الكويت التي استخدمت من الحكومات السابقة أسوأ استخدام في الصفقات المتبادلة بين السلطة والجماعات والتيارات الإسلامية السياسية، ولدي يقين أن قانون منع الاختلاط الذي ابتكر عام 1996 كان ضمن صفقات تتعلق بمواضيع سياسية مختلفة في ذلك الحين أهمها لجنة تقصي الحقائق في الغزو العراقي وتقارير اختلاسات إسبانيا ومكتب لندن، ولأسباب أخرى مختلفة لا أعتقد أن الحكومة ستُقدم على دعم هذا المقترح أو أي مقترح يصيب علاقتها بضرر كبير مع تلك الجماعات الدينية - السياسية.ولذلك فإنني مؤمن بأن جامعة الكويت في مرحلة اللاعودة من التدهور وسيطرة الأصوليين والقوى الرجعية عليها إلا باستثناءات بسيطة أهمها كليات العلوم الطبية التي يجب إنقاذها في جامعة طبية مستقلة قبل الهيمنة عليها وتدميرها، وأرى أن من الواقعية أن يسعى النواب الذين تبنوا إلغاء قانون منع الاختلاط إلى تبني حلول وسط مع الحكومة تخفف الضرر الجسيم على البلد أهمها إلغاء "منع الاختلاط" عن الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية حتى يجد الناس البديل، إلى جانب توسيع قاعدة البعثات الداخلية والخارجية بشكل كبير، وحث الحكومة على عدم إنشاء أي جامعات حكومية جديدة حتى لا تنتقل إليها علل جامعة الكويت، واستبدالها بجامعات أهلية وخاصة تشارك هيئة الاستثمار الكويتية مع مستثمرين في تمويلها ومنح تسهيلات وأراض واسعة لها ودعمها حكومياً عبر البعثات الداخلية.بذلك يمكن أن نكون عمليين وغير واهمين في معالجة كارثة القانون رقم 24 لسنة 1996 في مجتمع تمكنت منه علل الانغلاق والتزمت التي نراها في كل مكان من أرجائه، ونرى نتاجها في تصريحات النواب المعارضين لقانون إلغاء قانون منع الاختلاط حتى قبل أن يقرأوا تقرير اللجنة التشريعية ومبرراتها القانونية والعلمية لإلغاء ذلك القانون المتخلف.