ما يقارب 100 ألف طالب مسلم خليجي يدرسون في الولايات المتحدة الأميركية، ويزداد العدد إلى 120 ألفاً إذا أضفنا إليهم بقية الطلبة المسلمين من تركيا والدول العربية والإسلامية الأخرى، وهم يمدون الاقتصاد الأميركي بـ15 مليار دولار سنوياً تدعم عشرات الجامعات الأميركية التي كانت أغلبيتها على شفا الإفلاس في أعقاب الأزمة الاقتصادية في عام 2008، بل إن هناك من يقدر بأن ما يقارب 10 في المئة من هيئة التدريس وموظفي الجامعات الأميركية تدفع رواتبهم من المصاريف التي يدفعها طلبة مجلس التعاون الخليجي، الذين يواجهون بإجراءات معقدة وأحياناً تعسفية على أبواب القنصليات الأميركية للحصول على تأشيرة الدخول أو تمديدها، وفي مطارات الترانزيت في لندن وأمستردام... إلخ قبل الصعود إلى الطائرات المتوجهة إلى أميركا، والحفلة الكبرى التي يستقبلون بها في مطارات الولايات المتحدة، والتي تمتد إلى ساعات طويلة من التحقيق والتحري معهم.

Ad

ورغم ذلك فإن الخليجيين يسعون إلى الحصول على علم متميز من الجامعات الأميركية، واندماج وتعارف مع المجتمع الأميركي يعود على الطرفين بالفائدة، لكن لكل عمل نسبة من المخاطر هي بالتأكيد ضئيلة جداً أو شبه معدومة بالنسبة للطلبة العرب في أميركا، كون جميع من شارك في أحداث 11 سبتمبر كانوا من الطارئين على الطلبة العرب، وكذلك لم يحدث أي حوادث إرهابية شارك العرب فيها منذ 2001، لكنهم دائماً تحت مجهر التشهير والضغط الإعلامي الأميركي، الذي يطلب تشديد الإجراءات عليهم، ومنح تأشيرات الدخول الأميركية بكل أصنافها وفقاً لتصنيفات "عرقية – دينية" بشكل مستتر، ما سيغير شكل أميركا وطبيعة نظامها ومجتمعها.

الجامعات الأميركية تحقق الآن أكبر عائداتها من الطلبة الأجانب، من خلال معاهد تعلم اللغة الإنكليزية التابعة لها، التي يبقى فيها الطالب الخليجي ما يقارب العام بخلاف الطلبة الصينيين، الذين يفوق عددهم 125 ألفاً، ويعتبرون الأكثر تعداداً بالنسبة للطلبة الأجانب في أميركا، وغالباً ما يحصلون على تأهيل اللغة الإنكليزية بجانب بقية الطلبة الوافدين من غير الخليجيين في بلدانهم الأصلية، كل هذه الحقائق يعلمها الأميركيون، إضافة إلى حقائق أخرى، مثل استشهاد طالب سعودي في بحيرة بولاية أوهايو لإنقاذ أطفال أميركيين، ومخاطرة طالب سعودي آخر بحياته لإنقاذ أسرة أميركية كاملة في ولاية ميشغان قبل أسابيع قليلة.

كل هذه الوقائع لا تنفي حق أميركا في الدفاع عن نفسها وحماية مجتمعها من الإرهاب بكل أنواعه، رغم أن كلفة انتشار السلاح داخل أميركا تعادل أضعاف مخاطر الإرهاب الخارجي بعد حادثة مدرسة ساندي هوك، التي راح ضحيتها 26 شخصاً معظمهم من الأطفال، وسينما أورورا في كلورادو وحوادث أخرى عديدة، لكن لا يجوز أن يكون العرب والمسلمون تحت الضغط والترهيب الذي يصنع مزيداً من المتطرفين من الأميركيين أنفسهم، مثلما حدث للأخوين جوهر وتامرلان تسارناييف اللذين واجها مشاكل في الاندماج في المجتمع الأميركي.

أميركا رغم شجبنا لكل عمل إرهابي تتعرض له، تجني ثمن خيارها بالتحالف القائم منذ 50 عاماً مع إسرائيل، ذلك الجيب الصغير الذي من الصعب أن يكتب له الحياة لبضعة عقود قادمة حتى لو وضعت كل أسلحة الدمار فيها فلن تحميها من عوامل الديموغرافية والجغرافية، وذلك التحالف هو العامل الذي شوه أميركا لدى غالبية المسلمين والعرب، وهو الأمر الذي سيجادلك كل المسؤولين الأميركيين حول عدم صحته، وينفونه بشدة رغم أنه الواقع، إذ لم يكن هناك عامل تشويه للأميركي في منطقتنا ولدى المسلمين سواه، بل إن أول الدول التي اعترفت بالولايات المتحدة الأميركية عند إعلانها الاستقلال عام 1776 هي المملكة المغربية العربية المسلمة.