عندما شن الجيش السوري اعتداءه بغاز السارين على ضواحي دمشق في 21 أغسطس الماضي، كانت الحرب الأهلية في هذا البلد تحتل مكانة متدنية بين أولويات إدارة أوباما. فكان كبار المسؤولين الأميركيين منهمكين في مراجعة سياسية لتحديد الطريقة الفضلى للتفاعل مع قمع الجيش المصري، الذي أدى إلى مقتل المئات في القاهرة قبل نحو أسبوع. وفي السابع والعشرين من أغسطس، أسفر اجتماع لكبار مسؤولي الأمن القومي في "لجنة المبادئ" عن اتفاق على رزمة مدروسة من الاقتطاعات والتأخير في تسليم الأسلحة إلى مصر. ولم يتبق أمامهم إلا الحصول على موافقة أوباما على هذه الرزمة.

Ad

غير أن أوباما لم يعلن قراره في هذا الشأن. بدلاً من ذلك، أُرجئت المسألة المصرية وركزت الإدارة الأميركية كل اهتمامها على كيفية التفاعل مع الاعتداء السوري الذي نُفذ باستخدام أسلحة كيماوية. ولكن فيما تأرجح الرئيس ومستشاروه بين إصدار الأمر بشن ضربة عسكرية، وطلب تصويت الكونغرس، وتبني أخيراً حل دبلوماسي في الأمم المتحدة، عمل الجنرالات المصريون بدقة لبناء دولة بوليسية شبه فاشية تنشر الدعاية المناهضة للولايات المتحدة، وتبدو أكثر استبداداً من نظام حسني مبارك الظالم.

خلال الأسبوع الماضي، مُددت حالة الطوارئ، التي تسمح باعتقال أعداد كبيرة من الناس وعقد محاكم عسكرية سريعة، مدة شهرين. كذلك اعتقل الجيش صحافياً محترماً واتهمه "بنشر أخبار كاذبة". وتعرضت أيضاً مكاتب الحركة العلمانية الموالية للديمقراطية، التي قادت ثورة عام 2011 ضد مبارك، لمداهمات. ولايزال الرئيس السابق محمد مرسي ومئات أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في السجن، مع اكتساب حملة تعيين الفريق أول عبدالفتاح السيسي (قائد انقلاب الثالث من يوليو ضد مرسي) رئيساً زخماً كبيراً.

تُعتبر سلبية أوباما في التفاعل مع هذه التطورات، عقب تصريحه العلني في 23 أغسطس "أننا لا نستطيع العودة إلى التعامل كالمعتاد" مع مصر، أحد عوارض الضياع الذي يسيطر على سياسته في الشرق الأوسط. لا نرى حتى ما يشبه الاستراتيجية، بل مجرد هرب تلقائي من نار إلى أخرى، وردود فعل عفوية تُعرقَل في النهاية أو تحيد عن هدفها، تماماً مثل اقتطاع المساعدات المخصصة لمصر، أو توجيه ضربة عسكرية تأديبية إلى سورية. فعوض أن يقدم أوباما رؤية، يشتكي علانية باستمرار من أنه مرغم على منح هذه المسألة أو تلك اهتمامه. فقد قال خلال الأزمة السورية: "أفضل أن أمضي وقتي في الحديث عن كيفية تأمين تعليم جيد لكل ولد في الثالثة أو الرابعة من عمره".

يبدو أن الرئيس يدرك على الأقل انزعاجه هذا. ويُعتبر وضعه قرار الضربة السورية بين يدي الكونغرس طريقة للإقرار بذلك. وفي خطاب له نقلته محطات التلفزة الأسبوع الماضي، لجأ إلى إحدى صيغه الوسطية، معلناً أن "الولايات المتحدة ليست شرطي العالم" بعد أن اقتبس مباشرة حجة فرانكلن روزفلت عن أن معارضة المعضلات الخارجية يجب أن تخبو عندما "تكون المبادئ والمثل التي نعزها مهددة".

لا عجب في أن يحاول أوباما خلال الأسابيع المقبل إعادة ضبط مواقفه. فسنسمع على الأرجح خطابا آخر من خطاباته المتقنة يروح يتحدث فيه عن المبادئ التي يمكننا تطبيقها على أسلحة بشار الأسد الكيماوية، وموقف الفريق أول السيسي المتعنت، ومسيرة السلام العربية-الإسرائيلية، وبرنامج إيران النووي. لكنها ستبقى على الأرجح مقاربة محدودة. وهكذا يحول أوباما رغبته العميقة في عدم تخصيص الوقت والرأسمال السياسي لمشاكل المنطقة المتعددة إلى عقيدة.

تكمن المشكلة في أن محاولة الابتعاد والادعاء أن الولايات المتحدة ليست مضطرة إلى تأييد أحد الجانبين في الصراع بين السنّة والشيعة أو بين الجنرالات والإسلاميين، تعيدنا إلى حلقة الخطوات السلبية وردود الفعل العفوية التي علق فيها أوباما. ويرجع ذلك في جزء منه، كما لاحظنا الشهر الماضي، إلى أن سياسة الوقوف مكتوف الأيدي لا تصمد عندما يُقتَل أكثر من 600 متظاهر غير مسلح في يوم واحد في القاهرة أو عندما يختنق 1400 مدني بغاز السارين في ضواحي دمشق. فإخفاق القوة الخارجية الوحيدة القادرة على تغيير الوضع في التدخل يمهد الطريق أمام المزيد من الجرائم والمخاطر الكبرى التي تهدد مصالح الولايات المتحدة الحيوية.

إضافة إلى ذلك، يعني الوقوف مكتوف الأيدي دعم أحد الطرفين، الذي يكون عادة الطرف الخاطئ. فمازالت المساعدات الأميركية تتدفق إلى القوات المسلحة المصرية، بينما يمتد قمعها من الإسلاميين إلى الصحافيين العلمانيين والديمقراطيين الليبراليين. كذلك، يخلي وقوف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي في سورية ساحة القتال للأسد، وإيران، وتنظيم "القاعدة".

تعود أصول خلل سياسة أوباما الخارجية إلى رفضه القبول بفكرة أن على رئيس الولايات المتحدة تحمّل مسؤولية الأحداث التاريخية التي تقع في عهده (سواء كانت سقوط جدار برلين، أو اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أو الثورات العربية) واستخدام سلطته المميزة لصوغها. فلا طائل في التشكي من أنه لا يريد تخصيص وقته لمسائل مماثلة أو أن الرأي العام غير مهتم بها. فسيضطر في النهاية إلى التحرك. وهنا ينشأ سؤال مهم: هل يتحكم الرئيس في الأحداث أم تتحكم هي فيه؟

* جاكسون ديهل | Jackson Diehl