كيف يظهر التطرف في المجتمع وما أسباب انتشاره؟ إن أمكن استعراض محطات أدت إلى ظهور التطرف في مجتمعنا؟

Ad

ينشأ التطرف في المجتمع الذي لا يعدل بين أبنائه. عندما ينتفي الإنصاف من المجتمعات، تسيطر على الأفراد حالة من التذمر والشعور بالظلم والقهر، ثم تتطور الأمور في اتجاه استعادة الحقوق المسلوبة، ومن تتقطع به السبل في الحصول على حقوقه سيبحث عن بدائل للتمتع بهذه المكتسبات، وسيلجأ في ظل غياب العدل والمساواة والإنصاف إلى تجاوز القانون أو ربما يفكر في أخذ حقه بيده، فيظهر التطرف لأن الظلم فرض سيطرته على المجتمع، ونتيجة لذلك ستعمّ الفوضى.

من منظوري، السبب الرئيس في هذه المشكلة غياب العدالة، ثم تأتي المعطيات الأخرى الثقافية والاجتماعية والتربوية وهكذا. لكن الأمر غير المقبول ملازمة التطرف بالدين، بينما في الحقيقة يشمل التطرف الجوانب الحياتية كافة وليس حكراً على الدين. هذا ربط سيئ وللأسف، الإنسان الذي ينادي بسيادة الشريعة والالتزام الديني وتطبيق مبادئ العدالة المساواة والإنصاف يلصقون به تهمة التطرف. أستغرب من هذا الربط غير المنطقي، فحينما يحابي مدير ما بعض الموظفين على حساب الآخرين في ترقياته الوظيفية أو تصنيفاته المهنية، لا علاقة لهذه الممارسات بالدين، بل هو سلوك فردي تتداخل فيه المصالح الشخصية، وهذا ما يؤكد كلامي عن السبب الأول في ظهور التطرف في المجتمع وهو غياب العدالة.

الشيوعية والصهيونية

كان المجتمع الكويتي ينعم بثقافة الاعتدال بفضل وجود رجال دين مستنيرين، حدثينا عن سماحة هؤلاء العلماء وعن أسباب التقهقر الحاصل راهناً؟

تتجه الفطرة الإنسانية دائماً نحو البحث عن قوة تصرف شؤونها، لذلك لا يقتصر التدين على الإسلام، بل تجد معظم الديانات في العالم، وعتاة الشيوعيين والأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي دين، يدعون باسم الخالق. فالدين هو الأصل في الحياة لأنه النظام الذي يحكم حياة الفرد والمجتمع. شهد الإسلام مراحل منوعة فيها صعود وهبوط وحالات استقرار خلال المسيرة الممتدة، وحقق انتصارات خارج الجزيرة العربية في الشرق والغرب، واعتنق الإسلام عدد كبير من الجماعات التي كانت لها ديانات أخرى. ولم يعجب هذا المد الديني الكثير من الشعوب وأوغر صدور البعض ضد الإسلام، وضمن هذا الاتجاه ظهر التحريف في مبادئ الديانة الإسلامية. كذلك ثمة أسباب أخرى أدت إلى كراهية الدين، ولا أقصد هنا الإسلام بل الدين عموماً.

في هذا السياق، يجب التنبيه إلى أن العصر الحديث شهد انتكاسة للكنيسة، إذ إنها ظلمت الناس باسم الدين وادّعت امتلاكها مفاتيح الجنة وبدأت بتوزيع الألقاب على الناس وفقاً للمصالح المادية. هذه الأمور وغيرها كان لها تأثير سلبي على الدين فتسببت بكراهية الناس للكنيسة وظهرت حركات معادية للدين، من بينها ما يروِّج للإلحاد والشرك وعدم الإيمان بوجود إله. ثم جاء دور آخر للتأثير الصهيوني من خلال بروتوكولاته الداعية إلى تدمير العالم أخلاقياً لتسهل السيطرة عليه.

إذا عدنا إلى الدولة الإسلامية التي أرسى قواعدها الرسول (ص)، سنجد أن الإسلام دين حكم وسياسة وحياة، وديننا يحرضنا على الدعوة بالمعروف والنهي عن المنكر، وإفشاء السلام وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات.

لا يسكت المسلم على الظلم ويكتفي بأداء العبادات ويترك الأمور على عواهنها إلى الآخرين يتحكمون في مصيره ويقررون له ما يرونه مناسباً لهم ويخدمهم. يعمل المسلم دائماً وفقاً لمبدأ «إن الله ينصر الذين آمنوا».

إصلاح ناقص

يشهد الحراك السياسي الكويتي في بعض حالاته استقطاباً طائفياً بهدف الوصول إلى كرسي البرلمان، كيف تقييمين هذا الوضع؟

يعاني مجتمعنا مشكلة كبيرة، تتمثل في ضيق الأفق ورفض الرأي الآخر، ومن يحمل فكراً مخالفاً لي سيصبح عدواً لي، وبتنا نتعامل في هذا البلد وفق قانون الند للند وكأننا لسنا أبناء وطن واحد نساهم في بنائه وفق مجالات مختلفة. تتسع المشكلة، وقد تضاءل قبول أفراد المجتمع لبعضهم إلى أن بتنا نتصور أن عملية بناء الوطن تقتصر على مجموعة بعينها ولا يود البعض المشاركة، والمستغرب أن الكل يدعو إلى الإصلاح وقبول الآخر عبر مقالاتهم الصحفية بينما تجد بعض الكتاب يتحكم فيهم التعصب لجماعتهم واقعياً. لذلك أعتقد أن الإصلاح لا يأتي إن لم يحدث أولاً تصالح مع الذات ثم تصالح مع المجتمع، ويجب الفصل بين الأمور الخاصة والأمور العامة والحرص على أداء الدور المنوط بك في المجتمع وعدم التقاعس عن هذا التكليف.

في شأن الحراك السياسي في الكويت، أظن أن العالم بأسره يمر في مخاض للتغيير، وهكذا هي الحياة تشهد حراكاً في مسيرتها وهذا التفاعل يؤدي إلى الاستمرارية.

لا أعرف سبباً يدفع إلى عدم تطبيق القانون، لا سيما أن طبيعة الفرد في الكويت بدأت تطرأ عليها تغيرات، وربما ما أقبل به راهناً لا يقبله حفيدي بسبب اختلاف المعطيات، ولا ننسى أن المستقبل في الدول العربية مخيف ومرعب ويتطلب إرساء دولة القانون وتحقيق العدالة وتطويق أوجه الفساد.

التعايش السلمي

هل تساهم المناهج التربوية في الكويت في غرس مبادئ التسامح وقبول الآخر وضبط النفس؟ وما الذي تحتاج إليه المؤسسات التربوية للمساهمة في بناء مجتمع متسامح متكافل اجتماعياً؟

كما أشرت هي مناهج تقر أنها تتجنب التطرف وتكرس لقبول الآخر وفيها دعوة إلى التعايش السلمي لأنها تستند إلى القيم الإسلامية النبيلة، وهذا لا يعني أنها تحمل في طياتها الغث والمستوى الضعيف. أعتقد أن المعضلة الكبرى ليست في المناهج بل في المعلم الذي يوصل الفكرة إلى الطالب، ويفتقر هذا المعلم إلى التأهيل اللازم ليكون من أعضاء هيئة التدريس. وما يؤكد أهمية المعلم قبل المنهج المقولة الشهيرة «المعلم الجيد يثري المنهج الضعيف وفي المقابل المعلم المتواضع يحول المنهج الجيد إلى رديء». لذلك تكمن أهمية المنهج في من يعلمه، فالأساس في العملية التربوية المعلم بينما نحن نعاني تواضع المستوى، لأن أقل المعدلات تُقبل في كليات التربية بينما المعدلات المرتفعة تلتحق بكليات أخرى، وهذا الوضع يجب الانتباه إليه وتصويبه.

ومن الخطوات الضرورية لإصلاح العملية التربوية الإعداد الجيد والراقي للمعلم والعمل على تأهيله ليكون عضواً مهماً في هيئة التدريس وليس موظفاً فحسب، كذلك يستلزم تطوير الجهة الرقابية في أداء المعلمين وتفعيل دور إدارة التوجيه العام في وزارة التربية لأن الإدارة، وأقولها بكل صراحة، متخلفة جداً وتجهل حدود عملها، إضافة إلى التجاوزات الخطيرة فيها.

للأسف، استغل البعض الرخاء الاقتصادي سلباً، فمسألة البحث العلمي غابت عن أجندة الطلبة لأنهم كرسوا جهدهم في البحث عن أفضل المكاتب التجارية التي تبيع البحوث فذهب البحث العلمي أدراج الرياح، وقد لمست هذا الموضوع حينما كنت أمارس مهنة التدريس.

كذلك مشكلات أخرى في التعليم، من بينها التدريس الخصوصي الذي صار نوعاً من الرفاهية. أقترح تخصيص التعليم للقضاء على هذه المشاكل وغيرها التي تسعى إلى تدمير الأجيال، نظراً إلى حاجة الكويت إلى أجيال واعدة تساهم في بناء وطن يقهر التحديات المحيطة به.

التعسف في الخطاب

التطرف الفكري والتحريض عليه ليس جريمة يُعاقب عليها القانون، على رغم المشاكل الكبيرة التي يسببها هذا التطرف، هل نحن بحاجة إلى سنّ قوانين جديدة في ما يتعلّق بهذا الجانب؟

لا يقتصر هذا الوضع على المتدينين. يسلك معظم فئات المجتمع هذا الأسلوب، فتجد غير المثقفين يحرضون على بعض الأمور كالنقاب، وبالتالي بدأت الجهات الحكومية مراقبة الخطباء والتدقيق على حديثهم. أليس هذا الأمر تحريضاً؟ تجاوزت الأمور ذلك، إذ وصلت إلى أن أحد نواب مجلس الأمة يطالب بالسماح بتداول الخمر وفتح الملاهي في الكويت. كذلك ثمة خطاب متعسف ضد المتدينين يطالب «بنتفهم وسحقهم ورميهم في البحر». لماذا الكيل بمكيالين، والقول بأن حديث المتدينين تحريضي بينما حديث الآخرين ليس فيه أي تحريض؟ مع العلم أن المتدين يدعو للآخرين بالإصلاح والهداية لأن الإسلام يرفض عداء الآخرين أو الفجر في الخصومة والتحريض على القتل.

ضبط النفس

ينبذ الدين الإسلامي التطرف، وعلى رغم ذلك نشهد تزايداً في ظاهرة التطرف في البلدان الإسلامية، سواء العربية أو الآسيوية، فما الأسباب؟

بدأ العداء للمتدينين منذ فترة طويلة، لا سيما بعدما حققوا مكتسبات كثيرة وسمعة طيبة حينما اشتغلوا في مجال العمل الخيري الاجتماعي. أقلقت هذه المكتسبات التي حققها التيار الديني بعض الجهات الأخرى، لذلك بدأت بتدبير المؤامرات ضده لتشويه صورته. والسؤال، لماذا تضرب هذه الفئات المسلمين بأي وسيلة ممكنة  والعالم يطالب المسلمين بالصمت وضبط النفس؟

أعتقد أن ما يجري رد فعل على فعل يتضمن رسالة مفادها أنك إذا أسأت معاملتي لن أسكت بل سيكون لي رد فعل ربما لا تتوقعه، كذلك لإثبات أن المسلم ليس درويشاً أو ذليلاً.

أمراض مجتمعية

هل ترين أن العالم الإسلامي قدّم ما يستحق لتصحيح الصورة المغلوطة التي كرّس لها الإعلام الغربي عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وهل المؤتمرات التي ينظمها بعض الدول كفيلة بإحراز تقدم ضمن هذا الجانب؟

ما الذنب الذي اقترفه المسلمون لإجراء بعض هذه الفعاليات التي تسعى إلى تحسين الصورة في ذهنية الآخرين؟ ثمة نقطة مهمة تتمثل في الشخصيات الحاضرة لهذه الفعاليات، إذ يقتصر الحضور على مجموعة صغيرة معظمهم من الكتاب والمفكرين الذين يعرفون الكثير عن اعتدال الإسلام وسماحته لأنهم أرادوا التعرف إلى مبادئه للتمكن من محاربته عبر نتاجهم الفكري، لذلك أرى أن هذه المؤتمرات ليست مجدية وإن أحدثت تغييراً فيقتصر على عدد يسير جداً. إضافة إلى أن الحرب الشرسة ضد الدين الإسلامي مستمرة والجهات التي دأبت على تحريكها لن تسمح بتطور هذه الفعاليات واتساع رقعتها في عقر دارهم، فمن المفروض البحث عن أمور بديلة تساهم في تغيير الصورة الخاطئة التي يروج لها بعض وسائل الإعلام الغربية لأهداف معروفة. اقترح ضمن هذا الجانب التركيز على إرساء العدالة والإنصاف في مجتمعنا وتنفيذ تعاليم الدين الإسلامي. وحينما يشعر المسلم بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين فئات الشعب سينعكس ذلك إيجاباً في تحقيق الرخاء له أينما حل، وسينعم بالتكافل الاجتماعي وسيزول بعض الأمراض التي يعانيها المجتمع.

إهدار للوقت

بدأت تتسع رقعة الأعمال الإرهابية وأشكال التطرف الديني داخل العالم الإسلامي وخارجه، ما الأسباب؟

ظهر الإرهاب في الدول الغربية، وتهدف السياسات المتبعة للحكومات الأميركية إلى إنشاء مناطق نزاع وصراع في بقع مختلفة من العالم عن طريق إعطاء التوجيهات لعملائها بإطلاق الشرارة الأولى لهذه الفتنة المفتعلة. ثمة سياسات دول تعتمد على هذه المعطيات ولا يمكن تجاهلها. كيف يقدم البعض على فعل لا ينسجم مع العقل والمنطق؟ ولماذا أنظم مؤتمرات لتصحيح صورتي في ذهن من يشوهها؟ هذه المؤتمرات لا طائل فيها، إنها مجرد إهدار للوقت والمال والجهد.

أعتقد أن هذا الاتجاه يجب إعادة النظر فيه وإن كنا نريد إصلاح ما أفسده الآخر، ويجب علينا إرساء مبادئ العدل والمساواة في بلداننا والتركيز على التعامل المباشر بين الشعوب من خلال الاعتماد على الأخلاق الإسلامية في التواصل مع الآخر المختلف عنا. بذلك نكون قد قدمنا صورة مغايرة لما يروج لها الإعلام الغربي، وحينما تتلمس المنظمات الدولية والمؤسسات الغربية صدقنا ستبدأ بتغيير نظرتها إلى العالم الإسلامي.

انتفاضة

ما دور المؤسسات الدينية والمدنية في نبذ التطرف في المجتمع، وهل تقوم بهذا الدور فعلاً؟

لهذه المؤسسات دور كبير في تنمية المجتمع، لكن في الفترة الأخيرة ثمة تطور خطير حاد في مسار هذه المؤسسات المحلية، لا سيما عقب احتضان بعض الجهات الخارجية لهذه المؤسسات وتغذيتها بفكر لا ينسجم مع واقع الحياة بل يتواءم مع أهداف الجهات الخارجية. ثمة دور كبير منوط بمؤسسات المجتمع المدني، لكن يجب أن نشهد انتفاضة للتخلص من إملاء الجهات الخارجية والانتباه جيداً إلى البرنامج الذي تضعه هذه المؤسسات المحلية. كذلك تؤدي وسائل الإعلام دوراً كبيراً يكمن في التركيز على أهمية دور التنمية المجتمعية والتوعية بهذا الجانب. ولا بد من تضافر القطاعين الحكومي والخاص تعزيزاً للولاء لهذه الأمة وتقوية أواصر الوشائج الاجتماعية من خلال تفعيل دور الكلمة الطيبة أولاً، ثم اللجوء إلى الحزم إن لم ينفع هذا المسلك.

بعد ثورات الربيع العربي زاد العنف والتطرف في بعض الدول التي نجحت في تغيير أنظمتها الاستبدادية... ما تفسيرك لذلك؟

بالنسبة إلى مصر، مناهضو الرئيس مرسى لم يرق لهم الوضع فراحوا يعكرون صفو الحياة لأسباب معروفة تهدف إلى إضعاف النظام الحالي وإظهاره بصورة غير متزنة، وأرادت بالربيع العربي إسقاط حكم جائر في بلدانها جثم على سدة الحكم لفترة طويلة، وحينما حققت ذلك واحتكمت إلى صناديق الاقتراع والشكل الجديد لمؤسسات الدولة اعتمدت على الانتخاب في الرئاسة والبرلمان، فلم تقل بالديمقراطية التي بحثت عنها بل اتجهت إلى وضع العصي في مناحي الحياة لعرقلة هذا النظام الديمقراطي. لماذا لا تنتظر هذه الفئات الفترة الرئاسية قبل الحكم على مخرجاتها وعقب ذلك تقرير ما هو مناسب؟

عدم ضمان الاستقرار في هذه البلدان أسبابه لا علاقة لها بالنظام الحالي بل بسبب هذه المجموعات الرافضة للديمقراطية. للأسف، لا يفهم الشعب العربي معنى الديمقراطية الحقيقي، ويرفض قبول الرأي الآخر. ولو فرضنا أن الرئاسة آلت إلى شخص آخر غير مرسي، ولنفترض أنه البرادعي مثلاً، هل تعتقد أن أنصار شفيق أو صباحي والتيارات الأخرى سيقبلون بهذا الوضع؟ طبعاً لا. من منظوري، تكمن المسألة في تفكير الشعب وليس في وصول مرسي إلى الرئاسة.

وللحديث بشفافية أكثر سأسمي الأمور بمسمياتها، الولايات المتحدة الأميركية تدعم توتر الوضع في مصر وتغذي بعض الأطراف لمواصلة التظاهر والاعتصام لإحداث فوضى في البلد تساهم في تشويه الصورة. لماذا تستضيف الإمارات العربية المتحدة شفيق ويحصل على تمويل مالي لمواصلة دعم المتظاهرين؟