لا نريد مرقاً
نعلم أن حكومتنا متورطة، ونعلم أنها، وفي لجّة من جحيم المعارضة الجديدة، تتخبط باليدين والقدمين لتبقي رأسها طافياً فوق صفحة ماء سياستنا الخابط، إلا أن ما ترفض حكومتنا أخذه بالحسبان هو أن هذه المعارضة لم تعد قاصرة على موالاة قديمة حولتها المصالح إلى معارضة جديدة، هذه المعارضة شاسعة، تشتمل أكثر ما تشتمل على العنصر الشبابي، هذا الذي ملّ الجمود الذي ترزخ تحته البلاد والفساد الذي يضبّب أجواءها، جيل جديد يختلف عن سابقه، لا يستقبل المفاهيم البائدة للسمع والطاعة وتقبيل الرأس والكتف، جيل لم يعد يقبل "المرق" عطية ولم يعد "يشيلها بشليله". تلك مفاهيم لا مكان لها في هذا الحاضر الذي يبدو أن حكومتنا لم تصل إليه بعد؛ ولأن حكومتنا تعيش في الماضي، فإن كل محاولاتها لحل المشاكل والقلاقل تأتي من الماضي كذلك، وبأكثر الطرق بدائية: ألا وهو طريق الاستفزاز.الغريب أن هذا الأسلوب الحكومي هو السائد في حل كل المشاكل المزمنة. يخرج الشباب "البدون" متظاهرين ضد سنوات القهر والعزل والحرمان، فتضربهم الحكومة وتقمع حراكهم السلمي، ويخرج وزير إعلامها ليخبرنا أن الكويت مثال في حقوق الإنسان، وتشغل إعلامها ليروج تبريرات عفا عليها الزمن، فمرة هم يُقادون من لندن، وأخرى هم يُحركون من هؤلاء الجيران، وثالثة هم أداة في يد أصحاب مصالح في الكويت، بينما الأعمى يستطيع أن يشتمّ رائحة الأسى، فلا تفوت بصيرته الأسباب الحقيقية لحراك فطري طبيعي للإنسان المقهور المهزوم: يصرخها ولو كانت نفسه الأخير: لا.
ثم يأتي ذات الاستفزاز البدائي ليتعامل مع شباب الحراك الحالي: عنف في مواجهة المظاهرات، ملاحقات على "تويتر"، إدانات تستند إلى النوايا، حبس احتياطي يمتد ويتمطط ليتحول إلى عقوبة بحد ذاته، إغلاق قناة "اليوم"، القناة الأكثر وضوحاً وجرأة في الخط المعارض، تقديم اتفاقية أمنية إلى المجلس لتقوم مقام فزاعة خارجية تقف بين الكويتيين وحكومتهم، وأخيراً وليس آخراً، وكما انتشر أخيراً، التلويح بصفقة بملايين الدنانير لشراء منظومة أمنية من شركة Gamma قادرة على اختراق أجهزة الكمبيوتر والنقال ونسخ ما يصلها وتتبع الرسائل والاتصالات والإيميلات، ويمكن كذلك عد الأنفاس وقراءة الأفكار. ترى، هل ستعمل حكومتنا حقاً على استيراد أجهزة تلصص شخصية على كل فرد منّا على أرض الكويت حتى تغيب فكرة الخصوصية تماماً، وتصبح حياتنا الشخصية وليست فقط العامة رافداً جديداً للتهديد والابتزاز؟ أم أن الموضوع مجرد "تهويش" واستفزاز؟أحياناً يبدو لي أن أحداً لا يريد لهذا الحراك أن يستمر مثل ما تريده الحكومة، ربما هي تعتقد أنها بدفع الشباب في اتجاه هذا الحراك إنما تستقي الحجة عليهم لتنكل بهم، إلا أن الواقع يقول إن هذا الطريق الشائك هو طريق النهاية لكل منظومة حكومية تمشي عليه. فالعنف، والمراقبة الوسواسية القهرية، والاستفزاز، وتكميم الأفواه، والتضليل الإعلامي كلها أدوات من الماضي، ليس لها مكان في هذا الحاضر، نحن في "ربيع" الحاضر، وأنتم في شتاء الماضي، فاحضرونا قبل أن يجمدكم الصقيع، وساعتها، ليست الحكومة وحدها، بل كلنا سندفع الثمن.