المعروف، إلا لمن لا يريد أن يعرف، أن إسرائيل هي سر أسرار موقف الولايات المتحدة "المائع" تجاه الأزمة السورية، الذي ازداد ميوعة مثيرة للكثير من التساؤلات في الفترة الأخيرة، والدليل الذي قطع الشك باليقين، كما يقال، هو ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما لخطة وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، المدعومة من كلٍّ من وزير الدفاع السابق ليون بانيتا وقائد القوات المسلحة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ديفيد بترايوس، التي تدعو إلى تقديم أسلحة وتوفير تدريب عليها لمقاتلي المعارضة السورية.

Ad

والأهم من نشر هذه المعلومات، التي من بينها رفض أوباما لاقتراح وزيرة خارجيته الذي يدعو إلى تسليح المعارضة السورية هو قول المتحدث باسم البيت الأبيض جايْ كارني: "إن المشكلة في سورية ليست في نقص السلاح، ملمحاً إلى أن المعارضين يتلقون ما يكفي منه عبر دول مجاورة، بل هي ضمان عدم وقوع هذا السلاح في أيدي مَنْ يمكن أن يهددوا به أمن الولايات المتحدة وسورية! وإسرائيل".

إن بيت القصيد بالنسبة إلى الولايات المتحدة في هذه المسألة كلها هو إسرائيل، فبما أن إسرائيل لاتزال ترفض إزاحة هذا النظام واستبداله بنظام جديد يجسد رغبة الشعب السوري، فإن من غير المتوقع أن تتخلى واشنطن عن هذا الموقف التسويفي المائع الذي بقيت تتخذه تجاه الأزمة السورية منذ البدايات وحتى الآن، فمشكلة الأميركيين، القديمة والجديدة، التي يبدو أنها قد تطول سنوات كثيرة مقبلة، هي أنهم مستسلمون استسلاماً تاماً في السر والعلن للإرادة الإسرائيلية، وأن هذه الدولة المعتدية والآثمة والمحتلة لوطن الشعب الفلسطيني وهضبة الجولان السورية هي الدولة الوحيدة في العالم كله التي يسمح لها الأميركيون بالتدخل في شؤون بلادهم الداخلية، والاعتراض حتى على تعيين تشاك تيموثي وزيراً للدفاع لأنه غير مخلصٍ بما فيه الكفاية للدولة الإسرائيلية.

إن من حق الولايات المتحدة أن تتذرع بالخوف على أمنها لتبرير عدم تقديم أسلحة لمقاتلي المعارضة السورية، فهناك تجربة أفغانستان المرعبة، والتجربة العراقية البائسة، وتجربة التدخل في لبنان في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، والتجربة الصومالية المكلفة. أمَّا أن تتذرع بالخوف على أمن إسرائيل لتبرير رفض باراك أوباما لخطة هيلاري كلينتون الآنفة الذكر التي وافق عليها ودعمها ثلاثة من قادة أهم الأجهزة الأميركية فإن هذه كذبة فاضحة، ذلك لأنهم يعرفون أن إسرائيل بعدوانها المستمر واحتلالها لوطن الشعب الفلسطيني وهضبة الجولان هي سبب اضطراب الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، وفي هذه المنطقة كلها.

إنها إساءة للشعب الأميركي قبل الإساءة لهذه المنطقة العربية ودولها وشعوبها أن تقدم واشنطن، أي البيت الأبيض وهذا الرئيس باراك أوباما، مصالح إسرائيل على مصالح الولايات المتحدة، وأن تتواطأ، من الناحية الفعلية والعملية، مع الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الغير على حساب علاقاتها مع العرب والمسلمين، ولذلك فإنها عندما تحاول تبرير تخاذلها المشين إزاء كل ما يتعرض له الشعب السوري من مذابح وتشريد وهدم بيوت وقتل أطفال ودمار، بالخوف على أمن إسرائيل فإن هذا هو الاستصغار بعينه بالنسبة إلى دولة تخوض كل هذه الصراعات مع الروس والصينيين وغيرهم للمحافظة على كونها القطب الأوحد في العالم كله.