حتى الآن ورغم أن الموقف القطري لايزال على ما كان عليه بالنسبة لمستجدات الوضع المصري، وبالنسبة لتسليم ورقة الإخوان المسلمين للشيخ (الإخواني) يوسف القرضاوي، فإنَّ المراهنات العربية على الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أنه سيُحْدث قريباً توازناً في سياسات قطر تجاه قضايا إقليمية ملحَّة متعددة، وهنا فإن بعض القادة العرب يقولون إنه لا ضرورة للاستعجال، وإنه لابد من إعطاء هذا الشاب الواعد فعلاً المزيد من الوقت ليتمكن من التخلص من تركةٍ ثقيلة لا تتناسب مع شخصيته القيادية ولا مع ثقافته، ولا مع تطلعاته كأحد رموز جيل عربي صاعد لا يجوز تكبيله بالسياسات المعلَّبة ولا بالمواقف المسبقة.

Ad

لقد سمعت مباشرة من أحد كبار القادة العرب الذين يعرفون شيخ قطر الجديد عن قرب ما يجعلنا نثق بأنَّ هذا الشاب ستكون له بصماته الخاصة، قريباً، على سياسة بلده، وأنه بحكم تكوينه القيادي سيبادر عاجلاً لا آجلاً إلى تغييرات فعلية لتطوير ما وصل إليه وللبناء على إيجابيات من سبقوه، إذْ إن سنَّة الحياة تستدعي التكيّف، ولكن مع عدم الاستمرار في المراوحة في الدوائر القديمة، فالقديم بالإمكان الاستفادة منه والارتكاز على جوانب كثيرة منه، لكنه من غير الإنصاف أن تُلْزَم القيادة الجديدة بكل معطياته التي بنيت على ظروف غير الظروف المستجدة.

إنّ كل القادة الجدد، في العالم كله، لا يجوز حشرهم في الدوائر القديمة، مع كل التقدير والاحترام لهذه الدوائر، والمسألة هنا ليست مسألة انقلاب على الماضي، إنها مسألة أنَّ كل لحظة من الزمن لها مستجداتها وأنه إنْ لم يعط شابٌّ طموحٌ وكفء الفرصة لإنجاز تطلعاته، فسيجد نفسه حتماً كأنه يلهث خلف التاريخ بدون أن يحقق شيئاً مما في ذهنه وتصوراته التي تختلف بالتأكيد عن تصورات من سبقوه، مع التقدير والاحترام لهؤلاء وتثمين كل ما فعلوه.

إنه لا يجوز أنْ تحول القيم والعادات المتوارثة دون أن يأخذ شاب طموح ومؤهل ولديه تطلعاته وتصوراته الخاصة وفقاً لتأهيله وتعليمه ولتكوينه الذاتي وقدراته الأصيلة والمكتسبة فرصة الانتقال ببلده وبشعبه من الوضع السابق إلى الوضع اللاحق المنشود، ومنذ اللحظة الأولى لتسلمه أمانة المسؤولية، فالزمن في هذا العصر، عصر كل هذه التطورات التكنولوجية الهائلة وبخاصة في وسائل الاتصال، لا يحتمل إضاعة ولو رمشة عين، فالمعروف أنه ليس هناك أخطر من إضاعة فرصة تاريخية قد لا تتكرر وقد لا تجود بها مسيرة الحياة مرة أخرى.

المعروف أن هناك مثلاً عربياً قديماً يقول: "إن لكل شيخ طريقته" ويقيناً فإن للشيخ تميم طلَّته الأنيقة المقنعة، وتشير حيويته وأريحيته الواضحة وضوح الشمس إلى أن قطر والمنطقة العربية كلها بانتظار نمط جديد من رجال الحكم العرب الذين سيأخذون شعوبهم وبلدانهم إلى مسار الحركة التاريخية الصاعدة وإلى مستوى الدول والمجتمعات التي حققت أهم الإنجازات الحضارية والثقافية التي من المفترض أنها للبشرية كلها ولشعوب العالم بأسره.

ولهذا فإنني، اقتداءً بأحد القادة العرب الشبان، أراهن بدوري على أن الشيخ تميم آل ثاني سيأخذ هذه الدولة العربية العزيزة قطر إلى ما تستحقه وما يستحقه شعبها العزيز، وأنه سيقطع المسافات التي تنتظره بسرعة الضوء، وأنه بالتأكيد سيكون أحد رموز الحاضر والمستقبل، وأنه سيضع بلده في المكان الذي يستحقه في قطار حركة التاريخ، وحقيقة فإن هذا البلد العربي لديه من الإمكانيات ما يؤهله لأن يكون في مقدمة قطار حركة التاريخ، وأنْ يغادر المحطة السابقة التي كانت محطة لحظة سابقة، إلى محطة جديدة يجب أن تكون محطة اللحظة اللاحقة... واللحظة المقصودة هنا هي الجزء المرئي ذهنياً من عشرات الأعوام.

إن هذه الدولة العربية العزيزة، بعد أنْ تسلم الشيخ تميم دفة القيادة فيها كرمزٍ لجيل من الشبان المؤهلين الذين يتمتعون بالرؤية البعيدة نحو المستقبل الواعد، لم تعد بحاجة للخبراء ولا للمستشارين المستقدمين من الخارج، وكذلك فإنها بالتأكيد ليست بحاجة إلى "معمم" أقدامه في هذا القرن ورأسه في بدايات القرن الماضي، ثمَّ إن هذه القيادة الشابة تعرف بحكم تأهيلها وتكوينها أنَّ العرب في ظل كل هذا الذي يجري في دول عدة بحاجة إلى علاقات مبنية على التكامل وعلى المصالح المشتركة وقائمة على الأخوة الصادقة البعيدة عن الاستفزاز وعن المناكفات، وهذا هو ما ننتظره من قطر الجديدة.