من كان يتصور أنه سيأتي يوم علينا لنرى فيه طغاة حكموا بلادهم، وتعسفوا في معاملتهم للناس، وأذاقوهم سوء العذاب، ثم ينتهي بهم الأمر وراء القضبان الدولية؟ فكما أسلفنا فإن الحاكم الطاغية، عندما يطغى فهو يقرأ في كتاب مكيافيللي، ومدارس أخرى مشابهة، وهو حين يتمادى في طغيانه، إنما يدخل في مقامرة، فإن نجح فله السؤدد والعظمة والهيلمان، وربما يرثه ابنه من بعده، أما إن خسر، فقد يؤدي ذلك إلى قتله أو سحله أو فراره، والحكايات في ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى.

Ad

الجيد في الأمر أننا بدأنا مع بداية تسعينيات القرن الماضي في رؤية أولئك الطغاة مصفّدين بالأغلال وتتم محاكمتهم علناً، دون تشفٍّ، أو روح انتقام، أو "عدالة منتصر"، بل بتركيز، وبروحية العدالة الجنائية الدولية كما يجب أن تكون، بل إن تلك الأفعال الدولية ومساراتها الآخذة في التجذر والنمو، بدأت تشجع الضحايا على التحرك الدولي، أملاً في إنصافهم، انتهاءً بعدم إفلات الطغاة من العقاب.

ولربما كان شريط الفيديو الذي روج له تشارلز تايلور رئيس ليبيريا الأسبق عندما استولى على الحكم، وعرض حينها الرئيس المخلوع صامويل دو، عارياً، واضعاً قدمه على رأسه، ضاحكاً مستهزئاً بصامويل دو، ثم قتله ببشاعة، يعطينا فكرة عن كيف أن الزمن قد دار لتأتي العدالة الدولية من حيث لم يحتسبها تايلور، وتتطور الأمور إلى أن يتم الحكم عليه في ٣٠ مايو ٢٠١٢ بالسجن خمسين عاماً في ١١ تهمة، حيث استمرت تلك المحاكمة قرابة الست سنوات بدءاً من مارس ٢٠٠٦ وصدر الحكم في ٢٥٠٠ صفحة. وسنفصل لاحقاً حالة تايلور، فهو الآن يقضي عقوبة سجن في لاهاي تبقّى منها ٤٤ عاماً، وهناك غيره سنفصل عنهم، ولكن السؤال يبقى هو: هل كان تايلور يتخيل، أو من ساعده على جرائمه من حكومات، أنه سيأتي ذلك اليوم الذي يجد فيه نفسه وراء القضبان الدولية، وليس القتل أو الاغتيال أو الهروب، مع أنه قد حاول ذلك؟ كان تايلور ممن يسخرون من المنظومة الدولية، فهل مازال كذلك؟ وهل من يتباهى بنفسه من طغاة اليوم يدرك أن العالم يتغير؟

وللحديث بقية.