لمساعدة الفقراء... أعطهم المال!
وفق فكرة تقليدية شائعة: إذا أعطينا الإنسان سمكة، فسيأكل يوماً واحداً. لكن إذا علّمناه الصيد، فسيحصل على الطعام طوال حياته! لكن تشير أبحاث أجراها كريستوفر بلاتمان إلى أن إعطاء الأموال لأي شخص سيجعله يشتري صنارة صيد ويتعلم الصيد بنفسه!
بلاتمان أستاذ مساعد في الشؤون الدولية والعامة والعلوم السياسية، وقد أتم حديثاً دراسة مدتها أربع سنوات عن برنامج تديره الحكومة في شمال أوغندا، وهو يمنح الأموال النقدية إلى مجموعات من الشباب كي يتعلموا التجارة ويُنشئوا عملهم الخاص. كانت النتائج مفاجئة بالنسبة إليه وقد أقنعته بأن الهبات المباشرة أفضل طريقة لتقديم المساعدات.قال بلاتمان: «كنت أشكك في الأمر كثيراً. ظننتُ أن الجميع سيهدرون الأموال. لكن استعمل معظم الناس المال بشكل مسؤول، ما أدى إلى آثار اقتصادية هائلة».
أظهرت البيانات أن معظم الأشخاص الذين تلقوا هبة نقدية انخرطوا في أعمال تجارية احترافية بعد أربع سنوات، وقد ارتفع مدخولهم بنسبة 40% تقريباً، كذلك زادت أصولهم التجارية بنسبة 57%. قال بلاتمان: «إنها أرقام مدهشة».تم تمويل البرنامج بقرض من البنك الدولي وكان يهدف إلى تحسين اقتصاد أوغندا بعد 20 سنة من الحروب الأهلية عبر تشجيع الشباب (بين عمر 16 و35 عاماً) على الانتقال من قطاع الزراعة إلى مجالات التجارة الاحترافية. بلغت الهبات 400 دولار فقط للفرد، أي ما يساوي المدخول السنوي لمعظم الناس في تلك المنطقة. للحصول على الأموال النقدية، اضطر مقدمو الطلبات إلى تشكيل جماعة مع أشخاص آخرين في قريتهم وتقديم اقتراح يشمل خطتهم حول طريقة استعمال المال، لكن لم يتابع المسؤولون حالتهم للتأكد من استعمال الأموال لتحقيق تلك الغاية.بات متلقو الهبات يعملون في النجارة وفي قطاع المعادن والخياطة وتصفيف الشعر. خُصص جزء من المال (بين 10 و20%) للتدريب، سواء في معهد أو على يد حرفي محلي، لكن استُعمل معظم المبالغ لشراء الأدوات والمواد الخام. توسّع عدد من تلك الشركات الصغيرة بما يكفي للاستعانة بموظفين مأجورين، ما أدى إلى تحسّن الوضع الاقتصادي في البلدة كلها.قال بلاتمان: «كان معظمهم من المزارعين الذين اعتادوا على العمل بين 10 و20 ساعة أسبوعياً وكانوا يكسبون حوالى دولار في اليوم. هم يتابعون الزراعة لكنهم يعملون الآن بين 5 و10 ساعات أسبوعياً في تجارتهم. يمكن أن يُحدث هذا الوضع فرقاً على مستوى تناول الطعام مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، والقدرة على إرسال الأولاد إلى المدرسة الثانوية أو عدم إرسالهم». أداء أفضلكانت الدراسة أشبه بتجربة عشوائية مع ناثان فيالا من المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية وسيباستيان مارتينيز من بنك التنمية للبلدان الأميركية. أراد البنك الدولي إجراء تقييم شامل للبرنامج المُطبَّق منذ سبع سنوات. من بين آلاف مقدمي الطلبات، اعتُبرت 535 مجموعة (تتألف كل واحدة منها من 20 فرداً تقريباً) مؤهلة للحصول على الهبات. اختير نصفهم عبر سحب عشوائي على الحاسوب كي يحصلوا على الأموال النقدية، وتألفت مجموعة مرجعية من العدد نفسه. تتابع حكومة أوغندا تنفيذ البرنامج.شارك بلاتمان أيضاً في دراسة منفصلة عن برنامج تديره منظمة إنسانية إيطالية (AVSI)، وقد منحت هبات بقيمة 150 دولاراً إلى 1500 امرأة في شمال أوغندا. انخرطت غالبية النساء في قطاع التجارة واستعملن المال لشراء البضاعة من بلدات وقرى مجاورة ولإعادة بيعها. من خلال القيام بذلك، نجحن في مضاعفة مدخولهن إلى ما يقارب العشرين دولاراً في الشهر.في تلك الدراسة، انقسمت النساء إلى ثلاث مجموعات تلقّت جميعها بعض التدريب بكلفة مئة دولار لكل فرد. لم تخضع إحدى المجموعات للمتابعة، بينما قام عامل إغاثة بزيارة مجموعة ثانية لمتابعة وضعها والإجابة عن أسئلتها وتوفير الدعم لها. أما المجموعة الثالثة، فاستفادت من زيارات متابعة عدة.قدم متلقو الهبات الذين خضعوا للمتابعة والمحاسبة بشأن طريقة استعمالهم للمال أداء أفضل من الآخرين، لكن بكلفة أعلى بكثير وصلت إلى 1800 دولار لكل متلقي، بما في ذلك قيمة الهبة وتكاليف التدريب وزيارات المتابعة، مقارنةً بمبلغ 250 دولاراً في الفئة التي لم تخضع للمراقبة. يقول بلاتمان إن هذه الطريقة ليست فاعلة من حيث الكلفة: {يمكن أن تساهم تلك الأموال في مساعدة بين 5 و10 أشخاص بدل شخص واحد}.تكون البرامج التي تقدم الهبات النقدية مثالية بالنسبة إلى البلدان التي تنعم بنظام حكم مستقر حيث لا يستطيع الناس الحصول على قروض، وهو وضع نصف الدول النامية في العالم. أوضح بلاتمان: {تحصد الهبات غير المشروطة عائدات عالية جداً من الناحية الاستثمارية. يستحق معظم الفقراء المساعدة وهم يستعملون المال بشكل مسؤول. لولا هذه الطريقة، ما كانوا ليتمكنوا من الاستثمار}.