"مصريانو" هي يوميات المترجم والمصور الإيطالي كارمينيه كارتولانو، المقيم في القاهرة منذ عام 1999، حيث يعمل مدرسا ومترجما للغة الإيطالية، ويومياته هذه عكست رؤية الآخر وفهمه للعالم العربي، كما يراه الأجانب، وإن جاءت كتابته محملة بخفة دم وظرافة كبيرة لا تتوقع من قبل ناس العالم الغربي ذي الثقافة العقلانية، لكن ربما يكون ذلك الأمر جاء نتيجة لعيشه في مصر، وهي البلد العربي المتميز بخفة دم وروح شعبية ساخرة انعكست على كل من يعيش فيها، وقد يكون ذلك الأمر راجعاً لطبيعة الشعب الإيطالي المتميز أيضاً بخفة روح مختلفة عن بقية الشعوب الأوروبية.

Ad

"اليوميات" كتاب يكشف عن طبيعة الشعب المصري وطريقة تعامله مع الآخر، ومدى فهم الآخر له، وكيفية تعامله معه بشكل سلس ودي كشفته لغة تطورت وتطوعت وتشكلت بحسب طريقة معيشتهم وأحلامهم وآلامهم وقدرتهم على توظيفها وعكسها وحفرها في لغة عامية حية ثرية بقدرتها ومقدراتها على حمل وتصوير أحاسيسهم فيها.

الغريب أن المصور كارمينيه كارتولاتو استطاع أن يصل إلى جذر روح اللغة المصرية العامية، وفهم طريقة التعامل بها مثل ابن بلدها، واستطاع أن يتعامل مع المصريين بجدعنة تفوق جدعنتهم، وأيضاً بخفة دم توازيهم وأحياناً تتفوق عليهم بعمق تحليلي ورؤية تأملية تحاول سبر وفهم اللغة والمعنى والمشهد، فمثلاً هو يسأل: لو مصر أم الدنيا، مين أبوها؟

لو كان فيه أب، هيرجع إمتى؟ ولو كان فيه أب، مش هيرجع بقى؟

لو مصر أم الدنيا، يا ترا إتجوز عليها؟

ولو كان فيه، سابها ليه؟

كما أن له طريقة سهلة في تعليم اللغة العربية العامية باللهجة المصرية للأجانب، وقاموسه كالآتي: أ... ألف زي أيوه، ب... زي باي، ت... زي تمام، ث... زي ثورة، مصر قبل الثورة، مصر في الثورة، مصر بعد الثورة.

ج... زي جميل، ح... زي حبيبي، خ... زي مممممم... بلاش دي، س... زي سلام عليكم، سلام عليكم الصبح، سلام عليكم بعد الظهر، سلام عليكم بالليل، فاكرين انها كلمة السر اللي هتفتح باب أسرار المصريين أو قلوبهم.

ش... زي شكراً، ك زي كويس، ل... زي معلش، ن... زي نص نص لو مش تمام أكيد هو نص نص، ي... زي يعني.

وأبجدية الأجانب هذه كتبها بطريقة تحمل معاني أخرى للغة لا يتسع لها المقال، كما كتب أبجدية أخرى لذات الحروف لكن من وجهة نظر مصرية وما تعنيه لهم.

الكتاب ممتع ومضحك لمن يفهم تماماً طبيعة الشعب المصري ويحبها كما هي "بعبلها"، مثل هذا الكاتب الإيطالي الذي عشقها حتى النخاع بحلوها ومرها، وهو ما عبر عنه في كتابته هذه: "رجعت مصر بعد رمضان، إحساس جميل قوي وأنا راجع بعد ما قضيت شهرا في إيطاليا، درجة المتعة عالية جدا أول ما تخرج من الطيارة ويلمسك هواء دافئ ملوث ومترب، تستمتع بكل حاجة وانت بتجري ناحية شباك الجوازات وحواليك أمهات تخان بيحاولوا يعدوك بولاد كتير وعشرة آلاف شنطة وهمه بيدوسوا عليك كأنك في مسابقة ملاكمة".

اليوميات مليئة بالمواقف المضحكة لحد القهقهة، مثل هذا الموقف الذي حاول فيه ولدان بيع الكاتب بضاعتهم، وهم يظنون أنه لا يفهم ما يقولونه، مثل: إزيك يا ابن الكلب يا غبي، مش عايز تشتري جلبية أو شيشة يا أقرع يا إيطاليانو إنت؟

فصدمهم الكاتب بالرد عليهم باللهجة المصرية: "الله يخليك يا حقير يا جزمة قديمة يا ديل الكلب... انت تمام؟".

طبعا، وقف الولدان مشلولين، لكنه ضحك ومزح معهما، وهزر ودردش معهما، وأهديا له في نهاية الوقت نص كيلو فلفل أسود من قنا ورأس نفرتيتي.

هذا عدا أن اليوميات تكشف عن عالم الرجال وأسراره وخفايا علاقاتهم النسائية بشكل ساخر مرح وحميم.

الكتاب صادر عن دار العين للنشر في طبعته الأولى والثانية.