في زمن باتت كلمات الحب فيه للمصلحة، والتقرب بات للوصول إلى هدف معين، والكلام بات تحصيل حاصل، نجد أن الحب غير المشروط واحد من نوادر هذا الزمن.

Ad

رغم أن الجميع يتحدث عن الحب، ويرسل عباراته، ويحرص على قراءة قصائده، فنحن كشعوب عربية نعشق حكايات الحب، والنهايات السعيدة، وقراءة أساطير وقصص قيس وليلى، وعنتر وعبلة، وروميو وجوليت، وكلنا قرأنا لنزار قباني واقتنينا دواوينه. القراءة عن الحب أصبحت واحدة من سماتنا، وبتنا نحرص على أن نوزع عباراته دوماً هنا وهناك، ونحب أن نقرأ عن الحب ولكن نحب كثيراً لو أنه ينتشر فعلاً وليس قولاً.

مع كل أسف، أصبح الحب في زمننا هذا مشروطاً، حتى الأهل، الذين هم الأشخاص الوحيدون الذين من المفترض أنهم يحبون أبناءهم حباً غير مشروط، تجدهم دوماً في حالة فرض شروط على أبنائهم ليحبوهم.

حيث تجد الأم تقول لابنها دائماً سأحبك لو نجحت بتفوق، وإن لم تنجح في النتيجة العالية فستكسر قلبي وتجعلني لا أحبك.

أو تجد الأب يقول لابنته سأحبك أكثر إن "تحجبتي وأرضيتيني"، أو ستسعدين قلبي إن درستي في هذا التخصص لا ذاك.

سمعت في أحد اللقاءات مع أحد التربويين أن هذا النوع من العبارات قاتل ومدمر لشخصية الأبناء، الذين يشعرون أنهم لن يرتقوا يوماً للوصول إلى حب ذويهم، فبعض طموحات الأهل لا تتناسب مع طموحات الأبناء، وبعض رغبات الأهل لأبنائهم تختلف كثيراً عن رغبات الأبناء لأنفسهم.

أن يصبح حب الأهل أيضاً مشروطاً فتلك معضلة، لأننا بتنا في زمن مادي جداً، المصلحة فيه هي المتسيدة، ولو وجد الأبناء حباً، ولو من طرف الأهل غير مشروط، فذلك كفيل بأن يجعلهم سعداء وقادرين على مواجهة الآخرين الطامعين فيهم.

نحث دوماً على الحب والتفاؤل والإيجابية، لكن دون أن تحب بدون مقابل، وأن يحبوك بلا مقابل، لن تشعر يوماً أنك فرد سوي، ستشعر دوماً أن هناك من يريد منك أن تغير بذاتك أو يريد مصلحة منك.

لنتعلم ونعلم الغير أنه في بعض الأحيان يكون كل ما نريده هو كلمة طيبة دون مصلحة، حب العطاء دون رد العطاء، لنتعلم أن هناك من يحتاجون منّا لأي مساعدة ولا يستطيعون أن يردون عليها سوى بشكر لشدة حاجتهم.

مازال العالم يعاني جوعاً وعطشاً للحب أكثر من أي شيء آخر مع كل أسف.

قفلة:

سبب انتشار واكتساح ونجاح المسلسلات التركية والأفلام الهندية أنها تقدم للمشاهد رومانسية مفرطة وحبا جامحا، وهذا أكبر دليل على تعطش البشر للحب، حتى إن لم يظهروا هذه الحاجة بشكل سليم.