الجبل، الوادي، نساء القرية، والقمم الشاهقة، تلك عناصر مشتركة في كتاب «سيرة الحجر» للشاعر العماني زهران القاسمي، الذي التجأ عبر نصوصه المجمّعة إلى سرد حكايات القرية، وطرائفها، وبساطة الإنسان في تلك البقعة، المكبلة بالعادات، وقيود القبيلة، وإرثها الممتد.

Ad

لم يعمد القاسمي إلى اعتماد لغة شعرية عالية في «سيرة الحجر»، الكتاب الذي يأتي في جزأين، بل هو يعمد إلى إعطاء مجال أرحب للغة السرد، في محاولة لإيضاح الفرق بين هذين المجالين؛ الشعر والنثر. أصدر الشاعر القاسمي عددا من المجموعات الشعرية أبرزها: «أمسكنا الوعل من قرونه»، و»الهيولى»، و»أغني وأمشي»، و»ياناي».

لم تتح لي فرصة الاطلاع على ديوانه الأول «أمسكنا الوعل من قرونه»، وذلك ما يجعل من الصعب تكوين فكرة كاملة عن شعرية القاسمي، ومراحل تكوّنها، فهذا الديوان له أهميته الخاصة، باعتباره العمل الأول الذي أطلق القاسمي إلى فضاء الشعر، بعد فترة طويلة من نشر القصائد والكتابة الصحافية، ثم إن الديوان بعد صدوره لاقى أصداء طيبة في الساحة الثقافية، سواء داخل عمان أو خارجها، ما يجعل العنوان راسخا في الأذهان، حتى وإن لم يتم الاطلاع على القصائد.

يقول القاسمي في لقاء صحافي عن عمله الأول: «أمسكنا الوعل من قرونه» كانت تجربة حاولت فيها أن أكون قريبا جدا من الذاكرة بشكل خاص، فكما هو معروف أن ذاكرة المكان والزمان خصبة جدا، فهنالك في مغاور كل ذاكرة أشياء مخفية، تلمع بين الفينة والأخرى، يعود بنا الحنين اليها تارة، وتارة تأتي على شكل لمحات بصرية لمواقف نمر عليها في الحاضر تكاد تكون مشابهة لما حدث».

أجل، «المكان» بكل أبعاده وطقوسه، ذلك ما يشغل الشاعر، ومن هنا منبع القصيدة، ومثار الدهشة فيها، وليس القاسمي هو من يدرك هذه الخاصية في الكتابة لديه بشقيها الشعري والنثري، بل إن باحثين كثرا تطرقوا إلى تلك الميزة التي تتمتع بها الكتابة الإبداعية في عمان جملة، فكثير من الشعراء استغل خصوصية المكان، وإرثه التاريخي والثقافي، في توليد نصوص، مليئة بالدهشة، ومكامن «السحر»، وجمالية «الحجر»، وانطلاق الجبل، وعلو قامته، وكذلك القرية، وتكويناتها المتداخلة، والمدهشة في آن، ذلك يتضح في قصائد شعراء آخرين، مثل سيف الرحبي، ومحمد الحارثي، وغيرهما.

بعد ديوانه الأول امتدت مسيرة زهران القاسمي، وتجلت في ديواني «هيولى»، و»أغني وأمشي». في عمله الأخير هذا يستقرئ القاسمي شتى مناحي الحياة، عبر نصوص لا تخفي تعاطفها مع الإنسان البسيط، ضحية هذه الأرض الشاسعة: «أطلب من الأرض/ أن تكف عن ملاحقتي/ أطلب من البحر/ أن يقذفني إلى رحمك/ أطلب من الريح/ أن تخترقني/ وكطائر وحيد يقطع الصحراء/ أعلق صوتي بآخر ليلك».

في هذه المجموعة تصبح كائنات الطبيعة، بجبالها، وسمائها، وصحرائها، متضامنة مع الإنسان، وتمسي منقلبة عليه، ومُثيرة لعذاباته، يتضح ذلك من خلال نصوص «عصفور صامت يومئ لي»، وكذلك، «اقرأ لي شيئا ثم ابتسم»، و»غيبوبة قصوى»، ويكتمل المدار في هذه المجموعة بوجود «الأنثى» التي هي محل خطاب، وطرفٌ راسخ في حوار يرتكز حول جدوى الوجود، وما تصنعه الطبيعة بالإنسان الرجل، متأثرا بفتنة المرأة، فهي طريدة، وطارد، ومنبع دائم لعذاباته، لذلك نجد أن غالبية نصوص هذه الجموعة تنطلق من حوار، أو مناجاة للمرأة، ولكنه حوار ينفتح على بُعد فلسفي، وتأملي في الوقت ذاته، للننظر مثلا إلى نصوص: «أعلق صوتي بآخر ليلك»، و»هناك امرأة»، و»في انتظار الفراشة» يقول القاسمي:

«في القلب تحطين/ تطعنين المكان/ خذي وردة/ خذي عصفورا/ وأطلقيه/ سيحلق بعيدا/ خذيني إليك/ أنت الصاعقة/ تجتاحني/ تغسلني بروقها» ويمضي القاسمي في هذا النص الطويل باثا رسائله، وقراءاته المتعددة للمكان وأحواله.

وأما تجربة القاسمي في ديواني «الهيولى»، و»يا... ناي» فهي مختلفة تماما، إذ إن الأول هو نص واحد يتمحور حول فكرة «الهيولى» ويولِّد منها معانية، بينما «يا... ناي» هو عمل مشترك مع الشاعرة اليمانية افتهان الزبيري.