وما زال القطار يسير إلى أن يشاء الله بسرعته التي تفوق سرعة الصوت ومحطاته المنتشرة حول العالم بأسره وتوقفه الذي لا يتجاوز الثواني ليترجل البعض ويصعد البعض الآخر.

Ad

وفي ذلك القطار سعدت بلقاء شخصيات يصعب الإحاطة بها، ولكن هناك البعض الذي يصعب تجاوزه من أمثال الأستاذ الفاضل راشد عبدالعزيز الراشد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الأسبق والذي تولي منصب وكيل وزارة الخارجية على مدى أكثر من ثمانية عشر عاما.

في الشهر السابع من عام 1972 أجرت وزارة الخارجية مقابلات شخصية مع عدد من حديثي التخرج من الشباب الكويتي الراغبين بالعمل في السلك الدبلوماسي الذي كان في طور التشكل، وقد شارك في ذلك الاختبار حوالي عشرين من الشباب الذي تولى فيما بعد رئاسة العديد من بعثات الكويت في الخارج.

كانت لجنة الاختبار تتكون من الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري، والسفير عبدالمحسن الدويسان رحمهما الله، والسفير عبدالحميد البعيجان والسفير طالب النقيب، ورئاسة الأستاذ راشد عبدالعزيز الراشد الذي كان له تأثير إيجابي في مسيرة ذلك القطار.

بعد اجتياز ذلك الاختبار نظمت لنا الوزارة دورة دبلوماسية داخلية، ثم التحقنا بدورة في العلاقات الدولية قام بتنظيمها مكتب الأمم المتحدة في الكويت، بعد قضاء ما يقارب السنتين بالعمل في إدارة الصحافة والثقافة صدر قرار كريم بنقلي للعمل في سفارة دولة الكويت في مدينة "جدة" بالمملكة العربية السعودية، وذلك قبل نقل السفارات إلى مدينة الرياض، وكان يرأس البعثة وقتذاك الشيخ بدر المحمد الأحمد الجابر الصباح رحمه الله وطيب ثراه، الذي كلفني بتولي الشؤون القنصلية والإشراف على مواسم العمرة والحج، ومن خلال هذا الموقع تشرفت بالتعرف على الكثير من الشخصيات والقيادات في الدولة في ذلك الوقت.

بعد انقضاء ما يقارب السنوات الثلاث في مدينة "جدة" كانت مليئة بالعمل والأحداث، وكان للأستاذ راشد الراشد فضل كبير في تقديم التوجيه والدعم الذي مكنني من أداء عملي كما يجب، كما هيأ لي فرصة مرافقته في بعض لقاءاته وزياراته التي تكون في بعض الأحيان غير معلنة.

في عام 1977 تم استدعائي من قبل الأستاذ راشد "بو عبدالعزيز"  حيث أبلغني بأنه بعد "توافق القيادة" في البلدين فقد تقرر فتح قنصلية لدولة الكويت في مدينة الرياض تحت مسمى "مكتب دولة الكويت التجاري"، وقد تقرر بعد موافقة كريمة من سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، وكان يشغل وقتها منصب وزير الخارجية، بتكليفي برئاسة ذلك المكتب لأكون بذلك أول قنصل لدولة الكويت في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وبناء على هذا التكليف فقد غادرت مدينة جدة متجهاً إلى مدينة الرياض العزيزة، حيث قمت باستئجار مبنى يتكون من دورين، ويقع على شارع الستين، يومها كانت مدينة الرياض في بداية التطور والتوسع

العمراني، وكان مقر السكن في البداية في فندق إنتركونتنتال ثم تم استئجار سكن في منطقة "الملز".

قضيت في تلك المدينة العزيزة قرابة أربعة أعوام كانت علامة فارقة في حياتي الدبلوماسية في ما بعد، فقد كانت العلاقات بين البلدين في قمتها، فلم يكن يمر أسبوع دون أن نستقبل شخصيات قيادية من الكويت، كما تم تكوين "لجنة مشتركة" رأس الجانب الكويتي فيها الأستاذ عبدالوهاب النفيسي وزير التجارة والصناعة في ذلك الوقت، وقد تم وضع الأسس لبعض المشاريع التجارية والاقتصادية والصناعية، كما تم بدعم من الأستاذ راشد الراشد اختيار موقع السفارة الكويتية الحالية في الحي الدبلوماسي، في إحدى الأمسيات أثناء حفل العشاء الذي أقامه رجل الأعمال المعروف الأستاذ حمد الدهامي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، التقيت بالدكتور إبراهيم العواجي وكيل وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية الذي يشدك بحديثه وشخصيته الرومانسية التي تتعارض مع منصبه، وكذلك نظمه لشعر راقٍ وجزل المعاني، ولعل من روائع ما سمعت منه بعض الأبيات الشعرية التي يعاتب بها القمر الذي هجر جزيرتنا العربية بكل ما فيها من دفء ليسطع من بين قمم جبال الألب المكسوة بالثلوج والأجواء الباردة، استمر الحديث بيننا وتشعب وكان الموضوع الرئيسي اللجنة الكويتية- السعودية المكلفة بإنهاء موضوع المنطقة المقسومة بين البلدين والتي توقف العمل بها منذ سنوات، وقد تم الاتفاق بيننا على العمل لإحياء تلك اللجنة.

في اليوم التالي قمت بنقل ما دار من حديث إلى الأستاذ راشد، بعد أيام قليلة من ذلك اللقاء تلقيت اتصالا هاتفيا من الدكتور العواجي حيث أبلغني بأنه قد صدر قرار من القيادة بتكليفه برئاسة الجانب السعودي في تلك اللجنة، بعد إبلاغ هذا القرار إلى الأستاذ راشد، صدر قرار بتكليف العم الفاضل عبداللطيف الثويني وكيل وزارة الداخلية لرئاسة الجانب الكويتي، وقد تم الاتفاق على عقد أول لقاء لهذه اللجنة في مدينة "جدة"، وعليه فقد انطلقت بذلك أول خطوة لبحث ذلك الموضوع الذي كان معلقا على مدى سنوات، كل الشكر والتقدير للاستاذ راشد عبدالعزيز الراشد والدكتور إبراهيم العواجي مع الدعاء لهما بالصحة والعافية وطول العمر.

والدعاء إلى الله العلي القدير أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه، وحفظ أرواح الناس في المشي تحت الساس.

***

في الكويت أول أيام "السكيك" الضيقة وبيوت الطين كان أهلنا يوصونا "لا تمشي تحت الساس تطيح عليك الطوفة" لذلك نضطر للمشي في وسط الشارع والخوض في الماي، في كويت اليوم في ظل هذا العمار تغيرت التوصية وغدت "امش تحت الساس وعساك تسلم" يعني "اللي يبي يطوف جدامك قوله حياك، واللي يبي موقفك قوله تفضل واللي يشتمك قوله الله يسامحك واللي يخزك غمض عينك عنه... وعساك تسلم".