الإسلاميون في السلطة: هل هم أكثر استبداداً؟
هذا سؤال حيوي مطروح على الساحتين العربية والدولية، إثر ثورات أو انتفاضات الربيع العربي التي أوصلت إسلاميين أيديولوجيين إلى السلطة في عدد من الجمهوريات العربية أبرزها مصر، على خلفية هذه التداعيات السياسية طرح الكاتب دانييل بايبس، تساؤلين مهمين:1- من أكثر سوءاً، الرئيس محمد مرسي، الإسلامي الساعي إلى تطبيق الشرع في مصر، أم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، الدكتاتور الذي تم إبعاده عن السلطة لمحاولته البدء بتأسيس سلالة حاكمة فيها؟
2- هل احتمالات بروز نظام ديمقراطي ليبرالي في ظل الأيديولوجيين الإسلاميين الضامنين فوزهم في الانتخابات، أكبر من احتمالات بروزها في ظل حكام دكتاتوريين جشعين ليس لهم أجندة معينة، سوى البقاء في السلطة؟هذه التساؤلات أثيرت في الساحة الأميركية وطفت على السطح خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وعبر نقاش مثير بين مجموعة من المحللين السياسيين الأميركيين الذين يساهمون في صنع القرار الأميركي، برزت وجهتا نظر، يحسن بالقارئ العربي معرفتهما ليعرف كيف ينظر المحللون الأميركيون إلى أحداث المنطقة بعد ثورات الربيع العربي. ترى وجهة النظر الأولى ويمثلها كل من: ريويل مارك جيريخت من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وبريان كاتوليس من مركز التقدم الأميركي، أن الإسلاميين المنتخبين أفضل من الحكام الدكتاتوريين، لأن الأنظمة الدكتاتورية السابقة كانت ترعى أنواعاً من الأيديولوجيات أدت في النهاية إلى ما حدث في 11/9/2001 وفي حين يصر جيريخت على أن الحكام العسكريين وليس الإسلاميين هم (الخطر الحقيقي) وأن السبيل الوحيد لإقامة نظام أكثر ليبرالية في الشرق الأوسط يكمن من خلال الناس المؤمنين الذين ينتخبون إسلاميين لتولي المناصب. ويرى كاتوليس: أن الإسلاميين الفائزين بالانتخابات يتغيرون ويصبحون أقل تمسكاً بالأيديولوجية وأكثر ميلاً للبراغماتية، وهم في هذا يتطورون ليركزوا بعد ذلك على تأمين الحاجيات الأسياسية كالأمن والوظائف، وفي هذا الإطار يتوقع جيريخت أن يصبح الإسلاميون، الذين كانوا متشددين في العراق، ديمقراطيين بعمق إن لم يكونوا ليبراليين، كما أن حركة الإخوان المسلمين في مصر تجري نفاشاً داخلياً مهماً جداً. أما وجهة النظر الأخرى فيمثلها كل من دانييل بايبس، رئيس منتدى الشرق الأوسط، وزهدي جاسر من المنتدى الإسلامي الأميركي، وهما يتبنيان رأياً معاكساً للرأي الأول، ويريان أن الإسلاميين أكثر سوءاً من الدكتاتوريين السابقين، ويستندان في ذلك إلى العديد من الحجج أبرزها: 1- أن الأيديولوجيين الإسلاميين، دكتاتوريون بطبعهم، ولا يمكن أن يكونوا معتدلين عن وصولهم إلى السلطة بل هم يعملون على تعزيز أنفسهم عندئذ للبقاء فيها إلى ما لا نهاية. 2- لا يهتم الإسلاميون كثيراً بقضايا مثل الأمن وتوفير الوظائف قدر اهتمامهم بتطبيق الشريعة، في حين لا يمتلك الحكام الدكتاتوريون الجشعون أي عقيدة أو رؤية للمجتمع، وهذا ما يسهل إقناعهم بالتحرك نحو تطوير وإطلاق الحريات الشخصية، وفتح العملية السياسية، وحكم القانون كما حدث في كوريا الجنوبية، ويستشهدان في تأكيد وجهة نظرهما بما يفعله الرئيس مرسي والإخوان المسلمون في مصر، فمنذ تولي مرسي السلطة في أغسطس وضع العسكريين جانباً، ثم ركز على تعزيز سلطته وتوسيع دائرة صلاحياته من خلال سلسلة من القرارات أصدرها في 22 نوفمبر، ومنحته سلطات استبدادية ثم أشاع نظرية المؤامرة الصهيونية التي ربطها بخصومه، وعمد في الـ30 من نوفمبر إلى وضع دستور إسلامي ثم دعا لإجراء استفتاء عليه في الـ15 من ديسمبر، ولانشغاله بهاتين المسألتين، نسي القضايا التي تعانيها مصر ولا سيما الأزمة الاقتصادية. وأمام هذا الاستحواذ على مفاصل الدولة كان لا بد أن تضم القوى المناهضة للإسلاميين في مصر صفوفها، وهكذا وخلال أشهر قليلة، أظهر مرسي أنه يتطلع لامتلاك سلطات دكتاتورية أكبر من تلك التي كانت لمبارك. انتهى كلام المحلل الأميركي دانييل بايبس. ويبقى أن نقول إن التطورات الحاصلة في دول الربيع العربي، وكذلك تجارب الحكم للإسلاميين، تؤكد أن وجهة نظر بايبس، والنماذج الشاهدة على ذلك كثيرة، أبرزها: نموذج الحكم الإسلامي في إيران الممتد أكثر من 3 عقود والمتمثل بنظام "ولاية الفقيه"، إذ أثبتت الأحداث أن هذا الحكم الديني أكثر استبداداً من الحكم الدكتاتوري السابق لأنه نظام عقائدي شمولي ومن طبيعة النظم الشمولية عدم السماح بالمعارضة السياسية ووصمها بالخيانة والكفر. وقد وصفت منظمة العفو الدولية انتهاكات حقوق الإنسان في إيران بأنها الأسوأ في الـ20 عاماً المنصرمة، وصلت أحداث القمع إلى دفع العشرات من الصحافيين والمثقفين للهجرة إلى الخارج وطلب اللجوء السياسي، أما معاناة الأقليات الدينية والعرقية فحدّث ولا حرج، وبخاصة الأقليات السنية والكردية والبلوش والطائفة البهائية. وفي السودان نموذج حكم يتخذ من الدين شعاراً وغطاءً، ويكفي أن تعلم أن رئيسه مطلوب للعدالة الدولية، أما حكومة الإخوان في مصر، فنسخة أخرى من نظام ولاية الفقيه السني، لكنه الأكثر استبداداً من النظام الاستبدادي السابق، إذ يسعى بكل قوة إلى الهيمنة المطلقة على مجمل الفضاء السياسي المصري بحيث لا يترك للأطياف السياسية المعارضة أي مساحة. طبقاً للسيد ياسين، لقد تظاهر الإخوان بإيمانهم بالديمقراطية والتعددية وتعهدوا باحترام أحكام القضاء والدستور، لكنهم خلال 4 أشهر فقط نقضوا كل ما تعهدوا وتظاهروا به، انفردوا بوضع دستور هو الأسوأ في تاريخ دساتير مصر، يهمش حقوق "نون النسوة" وينتهك حقوق الطفل والأقليات بل يصنع فرعوناً جديداً. وطبقاً للفقيه الدستوري كمال أبو المجد، فإنهم اعتدوا على السلطة القضائية وحاصروا المحكمة الدستورية ومنعوا القضاة من العمل فيها وهاجموهم، وشككوا في أحكامهم وأرهبوهم وطالبوا بتطهير القضاء بحسب زعمهم، وهو اعتداء خطير على السلطة القضائية لم يحصل حتى في أكثر البلاد استبداداً، لقد ثبت بجلاء أن هذا العدوان لا يشكل خطراً فقط على الديمقراطية بل على السلطة القضائية أيضاً. وطبقاً لوحيد عبدالمجيد الذي وصف مشهد محاصرة المحكمة الدستورية، بأنه مشهد لا سابق له في تاريخ مصر منذ أن حاصر متظاهرون مجلس الدولة، مارس 1954، ولطالما انتقد الإخوان وغيرهم الرئيس عبدالناصر على مذبحة القضاء تلك، لكن ما فعلوه مؤخراً كان أعظم، ولم يتجرأ أي رئيس مصري على إصدار إعلان دستوري بسلطات مطلقة محصنة ضد حكم القضاء، ولا معقب عليها كما فعل الرئيس مرسي! وهو أمر غير جائز شرعاً لأن الله سبحانه وتعالى هو وحده لا معقب لحكمه. أثبت حكم الإخوان في مصر وفي غضون 3 أشهر فقط، خرافة أن الإخوان سيتغيرون إذا حكموا، وأنهم يصبحون أقل تمسكاً بالأيديولوجية وأكثر ميلاً للبراغماتية، فالطبع يغلب التطبع (أولاً) والتنشئة الأيديولوجية القائمة على السمع والطاعة للمرشد العام هي التي تحكم التوجهات والسلوكيات السياسية (ثانياً) والتكوين الثقافي المغلق للإخوان لا يسمح بانفتاحهم على الآخرين (ثالثاً) والإخوان في هذا كغيرهم من التيارات الأيديولوجية الأخرى، إذا وصلت إلى السلطة وأمسكت بزمامها فإنها ستتشبث بها وتحرص على البقاء فيها إلى ما لا نهاية، وهي وإن تظاهرت بالمرونة السياسية والديمقراطية وتداول السلطة، فذلك تكتيك من أجل التمكين، إلا أنها في النهاية تحكمها أيديولوجيتها الصلبة التي لا تؤمن بالديمقراطية إلا وفقاً لطريقة (one man, one vote, one time)، لذلك سيخطط الإخوان لبناء آلية ديمقراطية خاصة يضمنون من خلالها استمرارهم في الفوز لسنوات طويلة قادمة طبقاً لعبدالله بن بجاد، وسيعمدون إلى رمي خصومهم بتهم الكفر والخيانة والفلول وأعداء الثورة، وسيعتبرون أي نقد لهم نقداً للإسلام ومعصية، وأن من يعارضهم يعارض حكم الإسلام وشريعته، وسيصدرون فتاوى دينية تلزم المؤمنين بالتصويت لهم باعتباره واجباً دينياً! في تصوري أن مصر في ظل حكم الإخوان في طريقها لأن تصبح "دولة شمولية" أو نسخة سنية من نظام "ولاية الفقيه". * كاتب قطري