أججت التحذيرات الجديدة الأسبوع الماضي من اعتداءات وشيكة محتملة قد ينفذها تنظيم "القاعدة" الخوف بعيداً عن الحدود الأميركية. لكن الحركة التي أسسها أسامة بن لادن تخلت منذ زمن عن الاعتداءات الدولية الضخمة وركزت كل اهتمامها على المعارك المحلية بنجاح.

Ad

لم يجرِ أسامة بن لادن اتصالات هاتفية، فخلال السنوات التي أمضاها في آبوت أباد بباكستان، تفادى كل ما يتيح لوكالات الاستخبارات ملاحقته؛ لذلك اعتمد على الرسل في اتصالاته، لكن تقريراً نشره الأسبوع الماضي صحافيان في الموقع الإخباري الأميركي The Daily Beast يشير إلى أن قيادة "القاعدة" الراهنة تخلت عن هذه التدابير الاحترازية.

يبدو أن سبب إقفال 21 سفارة أميركية من اليمن إلى باكستان يرتبط باعتراض اتصال عبر شبكة الإنترنت بين أهم 20 مسؤولا في هذا التنظيم الإرهابي، ويذكر هذا المقال أن زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري استغل هذه الفرصة ليعين رسمياً ناصر الوحيشي (رئيس فرع القاعدة في اليمن) الرجل الثاني في التنظيم. كذلك شارك في هذا الاتصال قادة "القاعدة" من العراق وشمال إفريقيا، فضلاً عن جماعة "بوكو حرام" النيجيرية وممثل عن فرع "القاعدة" الناشئ في شبه جزيرة سيناء.

ذكر أحد مسؤولي الاستخبارات الأميركيين الثلاثة، الذين قابلهم موقع The Daily Beast: "بدا ذلك أشبه باجتماع لفيلق الهلاك". خلال هذا اللقاء عبر الإنترنت، ناقش مسؤولو "القاعدة"، وفق المقال، أهدافاً قد يستهدفونها في المستقبل، وذكروا أن فريقاً أو فرقاً عدة باتت جاهزة لتنفيذ اعتداءات مماثلة.

يشير عقد الإرهابيين الأخطر في العالم اجتماعاً عبر الإنترنت في الوقت نفسه الذي ترددت فيه أصداء فضيحة وكالة الأمن القومي الأميركية، على ما يبدو، إلى كسر القواعد التي يدين لها شخص مثل الظواهري ببقائه على قيد الحياة بعد عقدين من مطاردة وكالات الاستخبارات الأميركية له.

لكن كثيرين ذهلوا أيضاً من إعلان الحكومة الأميركية إقفال هذا العدد الكبير من السفارات. قال مستشار وزارة الخارجية السابق لشؤون مكافحة الإرهاب، ويل ماكانتس، لمجموع من المراسلين: "هذا جنون". إلا أن الحكومة الأميركية رفضت التعليق على هذه المسألة.

طرح مقال The Daily Beast أيضاً تناقضاً إضافياً، مفترِضا أن تنظيم "القاعدة" لا يزال يتمتع بإدارة مركزية، وأن الظواهري القائد الذي يطيعه الجميع، رغم التوتر الداخلي وضغوط التعرض للملاحقة من وكالات الاستخبارات.

لكن هذا التصوير يتناقض مع التطورات التي لاحظناها خلال السنوات الماضية، بما فيها تحليل صدر عن الأمم المتحدة في 7 أغسطس وتناول تنظيم "القاعدة" والمجموعات المرتبطة به، علما أن هذا التقرير الرابع عشر من هذا النوع. يذكر هذا التقرير أن "نواة تنظيم القاعدة المدمرة لم تنهض من جديد خلال الأشهر الستة الماضية. صحيح أن القيادة المزعزَعة لا تزال تصدر البيانات من معقلها على الحدود بين باكستان وأفغانستان، إلا أنها لم تبرهن عن قدرة عالية من خلال العمليات التي تنظمها القيادة المركزية وتديرها".

يتابع التقرير مشيراً إلى أن الظواهري "لم يبرهن عن قدرة عالية على توحيد فروع القاعدة أو قيادتها". على العكس، يوضح أن الخطر الأكبر يأتي من أفراد ينفذون هجمات بعد أن يتبنوا العقائد الأصولية من خلال الدعاية الإرهابية على شبكة الإنترنت، تماماً مثل الشيشانيَّين اللذين نفذا تفجير "ماراثون بوسطن" في فصل الربيع. ويتابع هذا التقرير موضحا أن الخطر الإضافي قد يأتي من استغلال القاعدة الصراعات الجديدة، مثل الحرب السورية التي منحت هذه المنظمة الإرهابية "زخما بالغ الأهمية".

أتقصر تركيا في الجهود التي تبذلها لوقف السياح المجاهدين؟

تتبنى أجهزة الاستخبارات الأوروبية وجهة النظر عينها. تحولت سورية إلى الوجهة المفضلة لدى المجاهدين، فقد تدفقوا إلى هذا البلد، الذي تمزقه الحرب، بالآلاف خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة، فهؤلاء المقاتلون هم الوحيدون الذين هبوا لمساعدة الثوار في التصدي لماكينة النظام العسكرية، ما يمنحهم قوة مدمرة.

يبدو ألا أحد يود إيقافهم، ففي الرحلات الجوية المتوجهة إلى مطار هاتاي في جنوب تركيا، ترى الركاب الملتحين القادمين من المملكة العربية السعودية، وتونس، وجمهوريات القوقاز الروسية جالسين جنباً إلى جنب. يسافرون إلى تركيا من دون أي رادع، وهناك يلتقون برفاقهم الذين يساعدونهم في الوصول إلى الحدود السورية المجاورة. في المقابل، ترى شخصيات مماثلة تصطف عند بوابة المغادرة في مطار هاتاي، حاملة القليل من المتاع، حتى إننا نلاحظ أحيانا أن تراب شمال سورية الأحمر ما زال عالقا في أحذيتها.

يبدو أن السلطات التركية لا تأبه بهؤلاء السياح المجاهدين، فعند المعابر، يروج المهربون لخدماتهم علانية، وهذا غريب بعض الشيء، على حد تعبير سوري كان من أنصار "للأمير" أسد الله الشيشاني. يضيف هذا المقاتل من معقل المجاهدين في منطقة أطمة قرب الحدود التركية: "قبل نحو شهر، عاد نحو 12 شيشانياً إلى أرض الوطن عبر مطار هاتاي من دون أي عقبات، مع أنهم أكدوا لنا كلهم أنهم مطلوبون من الشرطة الدولية (الإنتربول)".

بفضل عقيدته الواسعة الانتشار عن أنه في حالة حرب مستمرة، يحظى تنظيم "القاعدة" بميزة تكتيكية تتيح له الحضور في أكثر من صراع في آن واحد. تتغذى فروعه المستقلة كالطفيليات على عدد من الخصوم، ففي اليمن، يحارب هؤلاء المقاتلون جيش الحكومة والولايات المتحدة الأميركية، وفي سورية حكم بشار الأسد العلوي والأكراد، وفي مالي الحكومة والطوارق، وفي العراق حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الشيعية بشكل رئيسي.

إذن، استُبدل شعار بن لادن القديم عن ملاقاة "العدو البعيد" في الولايات المتحدة وأوروبا بمبدأ التكيف مع الصراعات المحلية الكثيرة والمتنوعة.

حدود سلطة الظواهري

اعتبر أبو مصعب الزرقاوي، قائد "القاعدة" في العراق السابق الذي قُتل، أن الحرب الطائفية ضد الشيعة فرصة مؤاتية لاستغلال صراع متأجج بغية تحقيق أهدافه. حاول بن لادن آنذاك وقفه، لكن هذه المنظمة الإرهابية تستعيد اليوم زخمها في العراق، مستغلة سياسة رئيس الوزراء التي تسعى لإبعاد السنّة دوما عن المناصب المهمة ومنحها لداعميه في قاعدته الشيعية.

نتيجة لذلك، باتت "الدولة الإسلامية في العراق والشام" فرع "القاعدة" الأكثر نفوذاً، مسؤولة تدريجياً عن مقاتلين وقواعد تابعين لـ"جبهة النصرة"، التي عملت في السابق على جمع المجاهدين في سورية. لكن قادة القاعدة لا يملكون نفوذاً كبيراً في هذا المجال. يشير تقرير الأمم المتحدة: "تُظهر محاولات الظواهري الفاشلة... لحل الخلافات الداخلية بين القاعدة و(جبهة النصرة) مدى حدود سلطة الظواهري".

دفع ضعف قيادة الظواهري كاتب صحيفة "واشنطن بوست" ماكس فيشر إلى تقديم طرح جديد بالكامل عن الأسباب التي جعلت زعيم "القاعدة" هذا يتحدث علانية خلال ذلك الاتصال. كتب فيشر: "يعتبر الظواهري أن الظهور بمظهر مَن يأمر بتنفيذ عملية كبرى بحد ذاته يساعده في إدارة سياسات القاعدة الداخلية".

لا شك أن رد فعل واشنطن غير المضبوط تجاه هذا الاتصال (شن أكثر من 12 هجوماً بطائرات من دون طيار في اليمن، وتحذير الأميركيين عموماً من السفر) أفرح الظواهري، خصوصاً حين تبين أنه حقق التأثير الذي كان يأمله، كل هذا إن افترضنا أن قصة ذلك الاتصال حقيقية.

* كريستوف رويتر | Christoph Reuter