نظرية نفرتيتي في معهد العالم العربي... القطعة الفنية تصير تحفة في الصالة
يستضيف معهد العالم العربي في باريس معرضاً بعنوان «نظرية نفرتيتي» (زوجة الملك أمنحتب الرابع الذي أصبح لاحقاً أخناتون فرعون الأسرة 18). يأتي المعرض انعكاساً لرغبة المسؤولين عنه سام برداويل وتيل فيلراث في مساءلة الطرق المعتادة لعرض الأعمال الفنية لا بل والتشكيك بها.
نفرتيتي ساحرة في الماضي والحاضر، وسحرها من اسمها وتاريخها، وأن تكون عنواناً لمعرض فستضفي عليه بعداً خاصاً ومميزاً. في هذا السياق، يوضح سام بردويل، الذي شارك مع تيل فيلراث في مهمة الإشراف العلمي على معرض {نظرية نفرتيتي}، أنه اختار منحوتة نصفية لنفرتيتي رمزاً لما تحاول هذه التظاهرة تقديمه، وهو {كيف يمكن النظر إلى الأعمال الفنية وأساليب استخدامها في تشكيل صورة عن ثقافة الآخر؟}.لا يهدف المعرض إلى لعبة استشراقية بل يبحث عن الفن بحد ذاته، الفن بمفاهيمه وجمهوره ومكان عرضه. بمعنى آخر، يبحث المعرض عن عرض الأعمال الفنية بكامل أبعادها ومن مختلف جوانبها، سواء كانت النخبوية أو الجماهيرية، الأثرية أو الحداثية، الفنية أو {الأنتي فنية}، إذ كل شيء يحمل دلالات كثيرة في الفن، وكل شيء له مساره الطويل، منذ بدء العمل فيه حتى وضعه في الصالة وبدء الناس في تأمله أو تأويله، وما تحمله الأعمال الفنية أنها ليست على سمة واحدة، إنها صانعة الأمزجة، أو يمكن أن تحمل عشرات التعابير والمعاني.
الفنان والجمهوريجمع معرض {نظرية نفرتيتي} 25 فناناً ويتألف من ثلاثة أقسام: الفنان، والمتحف، والجمهور. وحسب اللوحات التوضيحية، فإن القيمين عليه يوجهون الدعوة إلى المتفرج كي {يراجع عملية النظر والتفكير بالعمل الفني، وأن يتطلع إليه باعتباره دليلاً لعملية تواصل ثقافي ولعمليات إعادة الصياغة التي يخضع لها، خارج ضوابط المعنى والرسائل التي تفرض عليه، ومعايير السرد التاريخي الداعي للجدل}.المعرض ذو موضوع طموحي ومفاهيمي، إذ يروح ذهاباً وإيّاباً بين الثقافات القديمة والمعاصرة، ويتطرق إلى العلاقات المعقّدة بين العمل الفني والفنان والمؤسسات. برأي القيمين عليه، أي قطعة فنية عندما تُعرض وتخضع للنظر والتأمّل والإعجاب في متحف أو صالة عرض أو مجموعة مقتنيات، تصير تحفة فنية وتُكرّس رمزاً. ثمة إذاً عملية سحرية في عرض قطعة ما والمباهاة بها، أي أن مجرّد عرض القطعة والنظر إليها ومراقبتها يغيّر من طبيعتها. كذلك فإن الظروف التي تُعرض فيها القطعة تعدّل من النظرة الاستيعابية لها، فالقطعة المعروضة تخضع لمؤثرات كثيرة كالقطع الأخرى المجاورة والبطاقات التوضيحية والنصوص المرافقة والإضاءة. وتتغيّر عين الناظر واستيعابه بتغيّر الزمان والمكان. هكذا يسعى معرض {نظرية نفرتيتي} إلى قياس هذه المتغيّرات، ما يعيدنا إلى الفنان مارسيل دوشان الذي استحوذ على مَبوَلة ليضفي عليها توقيعه فحسب صفة العمل الفني، كأنه كان يقدم الفن ضد الفن أو الفن الذي يهتك أسطورة الفن. توجهات شكليةيركّز القسم الأول المخصص للفنان على التوجهات الشكلية لديه والتي يمكن استنتاجها واستنباطها من طريقة عرضه أعماله. يرى الزائر شاهدة لضريح قبطي من القرن الثامن الميلادي، وصورة فوتوغرافية كبيرة توحي بالحراك الذي كانت عليه مصر، التقطها مصور مجهول في القاهرة لجماعة {الفن والحرية} عام 1941.أما القسم المخصص للمتحف فينكب على سياق عرض العمل الفني بغية تحليل العمليات البصرية والنصّية التي تسمح للمؤسسات باختطافه محاولةً منها للاستحواذ عليه من خلال معان ووظائف تنسبها إليه، وتحلل آليات العرض البصرية والكتابية، وذلك لكشف كيف أن المؤسسات تحمل العمل الفني معاني ووظائف لم يقصدها الفنان بالضرورة. تستوقف الزائر مجموعة لوحات زيتية كبيرة، للفنان المصري الأصل جورج حنا صباغ، المولود في الاسكندرية عام 1887، منها واحدة تعود إلى عام 1920 رسم فيها نفسه في نزهة مع عائلته. واللوحة مستعارة من مركز «بومبيدو» الثقافي في باريس. وكان صباغ قد جاء إلى العاصمة الفرنسية لدراسة القانون وهو دون العشرين، فأغواه الرسم وبرع فيه.أما القسم المخصص للجمهور فيعيدنا إلى الفترات المعروفة التي اكتسبت الأعمال الفنية في سياقها أبعاداً مادية وأيديولوجية تتجاوز كثيراً محيط محترَف الفنان والمتحف لتصل إلى الجمهور العريض. أحياناً يشعر الزائر أنه لا يفهم شيئاً من الأشياء المعروضة أمامه، يتأملها بشغف ولكنه لا يفهم أسباب وجودها ما دام شكلها لم يسحره ولم يجذبه، ولكن هذه المعضلة القائمة على الغموض يربطها أهل الفن والشعر بالحداثة، حيث غلبت المفاهيم لغة الحكاية والوضوح.يقدّم المعرض قطعاً من العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية وأعمالاً حديثة نفّذها بعض الفنانين الغربيين والعرب ومحمود مختار وآني نمر وجورج حنا صبّاغ ورمسيس يونان، بالإضافة إلى وثائق أرشيفية وأعمال كثير من الفنانين المعاصرين مثل غادة عامر وآدم برومبرغ وأوليفيية شانارين ومحمد سعيد بعلبكي وطه بلال وتوماس ديماند وجيلبير ومهى مأمون وفيك مونيز ويوسف نبيل وعلاء يونس وباسم يسري وغيرهم.وقبل معهد العالم العربي، زار معرض {نظرية نفرتيتي} متحف الفن الحديث في الدوحة في قطر بعنوان {فنجان شاي مع نفرتيتي}، ولعل فكره التسمية جاءت من الصورة التي اختيرت لملصق المعرض وتبدو فيها امرأتان متنكرتان بتسريحة فرعونية تشربان الشاي في دكان شعبي وقد كتبت دورية {يوميات الفن} عنه: {وإذ انطلقا من مصر، لم يقع القيمان على المعرض في فخ النزعة الاستشراقية والهوس بمصر الفرعونية وكليشيهات الربيع العربي. ويقوم المعرض بكل رهافة بقلب الكليشيهات الغربية رأساً على عقب وبتقديم مرآة للمطالبات والمفارقات التي تعتري العالم العربي}.يستمر إلى 08 سبتمبر 2013.