تمام الأكحل: ثمة أحداث يعجز التشكيلي عن تجسيدها

نشر في 10-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 10-07-2013 | 00:01
شددت على ضرورة التزام الفنان بخصوصيته

تؤكد الفنانة التشكيلية تمام الأكحل ضرورة التزام الفنان ببيئته والتعبير عن خصوصية المكان بطرق فنية تساهم في تجسيد العادات والتقاليد التي تمثل هوية الإنسان، مشددة على أهمية تقديم نتاج فني يتقاطع مع هموم الناس لتضييق الفجوة بين الفنان والمتلقي.
توضح الأكحل في حديثها إلى {الجريدة} أن ثمة أحداثاً تفوق طاقة الفنان واستيعابه، فيشعر أن أعماله لا تتواءم مع حجم الحدث، ولا يستطيع التعبير عن المأساة التي حصلت، بينما تلاحظ أن ثمة فنانين لديهم قدرة على مواكبة الحدث لحظة بلحظة.
ما الذي سيطرأ على التشكيل بعد ربيع الثورات العربية؟

لكل تجربة خصوصيتها، قد تجد فناناً يعبر عن هذه الأحداث لحظة بلحظة، بينما يختزن آخر مشاعره تجاه ما يجري إلى أن تنضج الفكرة، ثم يترجمها.

أحياناً يفوق الحدث طاقة التحمل، لذلك لا يمكن للفنان التعبير عنه كما يجب، وقد حدث معي ذلك في مجزرة صبرا وشاتيلا، أو ربما يشعر أن ما ينتجه لا يتواءم مع حجم الحدث.

قد تخدم ظروف بعض المواهب وقد تعرقل معطيات معينة انتشارها، لكن قد تكسر حالات استثنائية القيود المفروضة وتعلن عن نفسها كموهبة تتفجر وتقهر الظروف، على غرار الرسام الهولندي فان غوغ أو كوكب الشرق أم كلثوم...

ماذا بالنسبة إليكِ؟

 نلت منحة دراسية في مصر بعد اقتراح رائد الفن التشكيلي في لبنان مصطفى فروخ ضرورة دراسة التشكيل، آنذاك كانت دراسة الفن صعبة لاسيما لفتاة مثلي ستتكبّد عناء السفر إلى بلد آخر، بالإضافة إلى اختلاف البيئة المحيطة بها، لكن ثقة الأهل منحتني قوة وضاعفت مسؤوليتي لبلوغ النجاح.

كيف تأقلمتِ مع البيئة الجديدة؟

وضعت هدفي نصب عيني ولم أدع أي فرصة تؤثر على هذه الرغبة، مع أنني واجهت صعوبات أثناء الدراسة، من بينها ردود فعل إحدى المعلمات التي أشرفت على تدريسي، فحينما تنال أعمالي استحسان زميلاتي لا يروق لها ذلك وتحاول تحطيمي ببعض المفردات، لكن كنت أجد ذلك دافعاً لقبول التحدي والتفوق. هكذا تحقق حلمي وحصلت على شهادة الفنون الجميلة، وأقمت معرضاً مشتركاً مع الفنان إسماعيل شموط افتتحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فالتقدير والحفاوة اللذين نلتهما من الشعب المصري وقيادته كانا اعترافاً بموهبتي وتميزي.

تركزين على الخصوصية في أعمالك وتتجنبين تقديم أعمال خارج إطار محيطك، بينما نشاهد تقليداً فجاً لبعض الأعمال العالمية، ما الذي تودين إيصاله بهذا الالتزام الفني بالبيئة؟

هويتنا وجذورنا وأصالتنا بالفن، كان الفنان حامد ندا يقول لنا: «يا أولاد ارسموا بألوان أرضكم، فالأرض الزراعية تختلف عن الطريق، كذلك تربة الجبل تختلف عن السهل وهكذا»، وما انفك يوصينا بتلوين فرشاتنا بطمي النيل والتدقيق جيداً بانعكاس الشروق والغروب على سطح مياه النيل.

ثمة ألوان لا تجدها في أماكن أخرى، إنها الطبيعة التي تمنحنا هذا الجمال فيسعى الفنان إلى تجسيده عبر نتاجه الفني، مترجماً مكونات بيئته التي تربى فيها، ومصوراً مفردات تراثه وخصوصيته التي يتميز بها عن الآخرين.

إحدى زميلاتي في الدراسة وصفت لي مشهداً أسرها حينما رأته، فكانت تستعيد تفاصيل هذا المنظر قائلة إنها شاهدت ثلاثة ألوان مختلفة على ساحل البحر أثناء فترة الغروب، فانبهرت بهذا الجمال الذي يصعب تصوره، طبيعتنا ثرية وتراثنا زاخر لكننا نهمله ونلقي بأنفسنا في حضن التقليد الأعمى.

أحدهم يقول إن الالتزام بالطبيعة المحلية والموروث لا يحمل جديداً، لذلك نبحث عن الأمور الحديثة، غافلاً تجسيد عادات وتقاليد عربية تمثل هوية الإنسان وخصوصيته.

ما الذي يجذب المتلقي في أوروبا؟

في ألمانيا التي أقمت فيها أعواماً، تعلمت الكثير من الشعب الألماني المحب لثقافته وفنونه، إذ تزدحم المعارض الفنية بالزوار والباحثين عن الجماليات في الفن، وتشاهد كبار السن يدققون بالأعمال ويتفحصونها ويتناقشون بمحتواها، كذلك تجد الفئات الأخرى من المجتمع: الأطفال والشباب الذكور والإناث في جو فني ثقافي يصعب وصفه، قلما نجد له مثيلاً في بلداننا العربية. يبحث المتلقي في الدول الغربية عن الأعمال المختلفة عن السائد لديه، لذلك يجذبه العمل الذي يحمل خصوصية المكان.

ما رأيك بالعلاقة بين التشكيلي والمتلقي في عالمنا العربي؟

العلاقة بينهما يشوبها الفتور، وغالباً ما تجمعهما وشائج لا صلة لها بالتشكيل، بل تستند إلى صداقة خارج إطار الفن أو تندرج ضمن المعارف.

ما السبب برأيك؟

 لا يتلقى الطفل العربي تثقيفاً تشكيلياً ولا تغرس المؤسسة التربوية حب الفنون في نفوس الناشئة، ولا تبذل جهداً للتعريف بفناني بلدها والأشكال الفنية وخصوصية المكان، بل تقدم قشور مبادئ الرسم التي لا تنتمي إلى مدرسة بذاتها.

لذلك لا ينشأ حب الفنون في نفس المتلقي، بل يعتمد تذوقها على الجهد الشخصي الذاتي، ولا تشهد المعارض التشكيلية زواراً كثراً، بينما يقتصر الحضور على حفلة الافتتاح ثم يجلس الفنان وحيداً خلال الأيام المتبقية من المعرض. كذلك يتحمل الفنان عبئاً بسبب اتجاهاته الفنية المعاصرة التي لا تتقاطع مع هموم الناس، لذلك تتسع الفجوة بين الفنان والمتلقي.

هل كل عمل تشكيلي يصلح للاستثمار برأيك؟

ليست كل لوحة ينتجها الفنان عملا إبداعياً، ربما تلاحظ تفوق لوحة ضمن مجموعة أعمال، بالنسبة إلينا زوجي وأنا، حينما يكون لدينا عمل نعتبره مبدعاً نعرضه ضمن المجموعة، لكن نضع عليه كلمة محجوز أو مباع، لأننا نأمل أن يكون لدينا متحف خاص بأعمالنا، فنضع هذه اللوحات في أروقته مساهمة منا في إثراء محتوى المتحف.

تربطك وزوجك إسماعيل شموط علاقة مميزة مع الشاعر محمود درويش حدثينا عن بعض المواقف المشتركة؟

حينما أوشك الشاعر محمود درويش على الانتهاء من ديوانه «لماذا تركت الحصان وحيداً...»، زارنا في البيت ورأى إحدى لوحاتي، فسألني ما اسمها، أجبت: «لا تتركوا الحصان وحيدا»، فعلق: «مش معقول»، لوجود توارد في الأفكار بيننا، وقرر حينها وضع هذه اللوحة على غلاف الديوان. لاحقاً أخبرني درويش أن غلاف الديوان أحد أبرز أغلفة أعماله، وأن الديوان تُرجم إلى الإنكليزية.

back to top