الدولة ومشروع الإصلاح السياسي
يسعدني كثيراً الانضمام إلى كتاب جريدة "الجريدة" كما تسعدني معاودة التواصل الفكري مع المهتمين من أبناء الشعب الكويتي. كل الشكر لأسرة تحرير "الجريدة" لتخصيص هذه المساحة كي أعبر فيها عما يجول في خاطري من آراء وأحكام لا تخرج عن كونها اجتهادات قابلة للنقاش والجدل.نجد البداية بلا شك في غاية الصعوبة لكثرة المواضيع وتشعبها، إلا أنني آثرت أن أبدأ بالكتابة حول الموضوع الأهم الذي يشغل الرأي العام في هذه المرحلة، موضوع الدولة ومشروع الإصلاح السياسي.
يعتقد البعض أن صياغة دستور متفق عليه وبناء مؤسسات دستورية كفيلان، في حد ذاتهما، بترسيخ دعائم الدولة المدنية وضمان لازدهارها. هذا الاعتقاد ينطلق من فهم النظام الديمقراطي على أنه غاية في حد ذاته، لا وسيلة لبلوغ غاية أسمى كتحقيق قيم أخلاقية وسياسية عليا كالحرية والعدالة وحماية حقوق الأقلية؛ لذلك ركزنا تاريخياً على بناء المؤسسات وأهمية وجودها، وأهملنا بشكل بالغ سبل ممارسة العمل السياسي، وكذلك أهملنا بناء عقلية وثقافة الفرد بوصفه الفاعل السياسي الرئيسي الذي يتحمل العبء الأكبر في الحفاظ على المؤسسات الديمقراطية وضمان عدم انحراف التجربة عن أهدافها المعلنة من خلال سوء الممارسة. لذا تجدنا نتباهى، حكومة وشعباً، في خطاباتنا الرسمية وغير الرسمية بمؤسساتنا الدستورية وبممارساتنا الديمقراطية. والواقع خلاف ذلك، فنحن نمر الآن بمرحلة من عدم الاستقرار السياسي غير مسبوقة، ونعاني مما لها من تبعات وعلى رأسها غياب التنمية وتفكك المجتمع. نتباهى بما لدينا من ضمانات دستورية لحرية التعبير والانتقاد، لكن في نفس الوقت تغيب لدينا ثقافة الاختلاف وتقبل الرأي الآخر. نطالب بتعزيز الحريات المكفولة بالدستور وفي نفس الخطاب ندعو لإقصاء مَن يختلف عنا مذهبياً وعرقياً، ونفرض عليه اتباع أسلوب حياتنا وقناعاتنا الخاصة ومنطقنا في التفكير (إن وجد). نطالب بالاحتكام إلى الدستور واحترام مرجعيته ونجتزئ منه ما يناسبنا ونتغاضى عما لا يناسبنا، حتى أصبحنا نعيش في سلسلة طويلة من المتناقضات، بين ما يتضمنه الخطاب السياسي وواقع الممارسة. سنوات مرت ونحن ندور في حلقة مفرغة نعيد فيها إنتاج المشاكل ذاتها دون أن نقدم لها حلولاً، وهذا دليل واضح على أن هنالك خطأً جسيماً لابد لنا من إصلاحه. وهنا تأتي أهمية الحديث عن ضرورة الإصلاحات السياسية، والتي يجب أن يصاحبها أيضاً الحديث عن المفاهيم المستخدمة في الخطاب السياسي وتوضيحها، وكذلك تحديد القيم التي يسعى النظام إلى تحقيقها. وهذا ما سوف أتناوله في مقالاتي اللاحقة.